الارشيف / عالم المرأة / أخبار المرأة

استبعاد النساء عن مشهد المصالحة

  • 1/2
  • 2/2

أثبتت التجربة العملية أن المرأة عندما تقتنع بالفكرة، فإنها تمتلك إرادة استثنائية على تأدية المهام الصعبة، وعلى الاستمرار بها حتى إنجازها مهما صادفها من متاعب وصعاب. هذا ما تثبته، على الأقل، الفرادة التي تحلّت بها النساء في غزة، وثباتهن على تنظيم الوقفة الأسبوعية المطالبة بإنهاء الانقسام منذ إقرارها من قبل هيئات الاتحاد العام للمرأة الفلسطينية في آذار 2012.
على مدار أكثر من عامين، استمرت النساء في وقفتهن الأسبوعية في قطاع غزة بشكل منتظم، معبِّرات عن رفضهن استمرار الانقسام من جهة، والمطالبة بإنهائه على أساس الاتفاقيات الموقعة بين القوى السياسية من جهة أخرى. والهدف من الفعالية إيصال رسائل شتى، من خلال الوقوف في الشارع، إلى أصحاب القرار ومتخذيه، رغم أن جميع القوى السياسية وكذلك مؤسسات المجتمع المدني قد يئست من جدوى الجهود السياسية لاستعادة الوحدة الداخلية، وبدت كالذي نفض يديه من أمر تغيير المشهد الانقسامي للحد الذي ظهر أنها تكيَّفت مع واقع الانقسام وتعايش مع وجوده وتعامل معه. وبمرور الوقت ومع استمرار تشكيل البنى والمواقف المتوازية، تشكلت فجوات صلبة من الثقة بين المجتمع والقيادات السياسية، وهو ما يفسّر الشكوك والبرود الذي استقبل فيه توقيع الاتفاق الأخير في غزة. لقد بقيت المرأة وحدها في الشارع وحتى اللحظة الأخيرة، صيفاً وشتاءً، في ظروف الشدة كما في ظروف الجُمَع المشمشية متحمِّلة، في الضفة وغزة، جميع أشكال الضغط والقمع للحد الذي وصل إلى استدعاء بعض الناشطات من كلا الجانبين وتعريضهن إلى التحقيق وغيره من أشكال التطاول على الحريات العامة، ولكن لم تمنع المتاعب، إلى التزحزح عن موقفها مثبتة إخلاصها وولاءها لفكرة الوحدة.
ومع ذلك وحين توقيع الاتفاق لم نر أيّ امرأة واحدة في صورة المشهد التصالحي، وكأن الجميع يريدها فقط وقوداً أو أداة للاستخدام في الحرب الإعلامية فقط، وهو الأمر الذي وقع في جميع جلسات الحوار، حيث استبعدت عن لجنة المتابعة لتفعيل منظمة التحرير الفلسطينية، وأقصيت عن الصورة الحقيقية وحتى الرمزية المعتادة.
إن التوقيع أنتج ولادة طفل خداج، والطفل الخداج لا بد وحتى يتمكن من العيش أن تتوفر له الظروف الملائمة للنمو والحياة، وبحاجة الى إرادة استثنائية لدفع المصالحة الأولية نحو التطور لجعلها حقيقة ثابتة، وهذه المهمة بحاجة إلى مشاركة القوى التي لا تسترشد بمصالحها لاشتقاق مواقفها، ومنها قطاع المرأة، للموضوعية التي تتميز بها وتكوينها الخاص، وقدرتها على تحسس المخاطر المحيطة، وامتلاكها الحس العالي بمحددات الأمن الإنساني واستشعارهن بالأثر الضار الذي يوقعه المساس بالنسيج الاجتماعي وخلخلته للسلم الأهلي.
لا أقدم عملية المصالحة كأحد الشؤون النسوية، فالمصالحة بشكل مباشر شأن سياسي بامتياز، لكن مشاركة المرأة، كحق وواجب، تكسب الحوار ونتائجه أبعاده الديمقراطية في اجراءات حل الصراع والخلاف، كأحد مبادئ العدالة الاجتماعية والوصول للعدالة الانتقالية، حيث يوفر مساحة حوارية شاملة لمشاركة جميع أطياف العمل السياسي والاجتماعي، باعتبار أن الخلاف الفلسطيني لم يكن خلافاً سياسيا فقط، بل خلاف على القضايا الفكرية والاجتماعية، يكمن في ثناياها موقع المرأة ودورها ومكانتها في المجتمع في جميع مناحي الحياة، وقدرة المرأة على إحداث تغيير نوعي، كونها تركز على المهمات الرئيسية، وتغلِّب المصالح الوطنية التحررية، على مصالحها الفئوية.
سبع سنوات مرت على الانقسام استمرت المرأة خلالها في الحراك مقدمةً المبادرات المتنوعة على مختلف الأصعدة، بدءاً من تقديم رؤية المرأة الفلسطينية لمواجهة الانقسام، مروراً بفعاليات جماهيرية كالتظاهر وعقد المؤتمرات وتقديم العرائض والنداءات التي تنادي بالمصالحة، وانتهاء بطاولات الحوار النسوية المتمخضة عنها ورقة موقف يستند إلى تحليل إشكالات التجارب السابقة ومعايير المصلحة الوطنية العليا ومضامين العقد الاجتماعي.
ماذا بعد، الآن وعلى أثر توقيع اتفاق الشاطئ، ما زالت القوى السياسية الفلسطينية، من أقصى يسارها الى أقصى يمينها، تتجاهل القوى النسائية والاجتماعية، وتتنكر لوجهة نظر مؤسسات المجتمع المدني بشكل عام، انطلاقاً من مفهوم خاطئ وتعريف قاصر لأسس الوحدة الوطنية، القائم على أساس وحدة الفصائل السياسية وقادتها، متجاهلا وجهة نظر القوى الاجتماعية، مقصياً احتياجاتها ومتطلباتها، وكأن توافق القوى ينتج بشكل ميكانيكي تحقق وحدة المجتمع وكأن توافقها تحصيل حاصل للتوافق السياسي.
ومن هنا، تكتسب الحوارات النسوية الموازية بين القوى النسائية الأهمية للحوار حول موقع المرأة في النظام السياسي ورؤيتها له، ومن أجل حوار آخر فيما بينها، ولتشكيل مرصد يراقب الأداء ويوثق الانتهاكات المقترفة من أي طرف من الأطراف السياسية للإعلان عنه توخياً لتصويب المسار المؤسَس على المرجعيات المتوافق عليها لجهة الاتفاقات السياسية، والمستند للمرجعيات والمبادئ الاجتماعية.

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى