المرأة/الجسد/العواطف في علاقة جدلية، رسمتها الشاعرة التونسية الشابة ريم القمري، في ديوان "النساء انتظار"، إصدارها الشعري الأول، عن دار نشر لزهري لبتر، الجزائر 2013. مئة وثلاث من الصفحات التي تجعل القارئ يعيش حالات مختلفة من الانتظار. "إنها علاقة المرأة/الجسد بالانتظار" كما تقول ريم. من جهته، يقول الأديب الجزائري واسيني الأعرج في تقديمه للكتاب "الانتظار هو واحدة من التيمات المتكررة في هذا الديوان الذي ينغلق عليها مثل فوكس الكاميرا. الانتظار في محطة الحياة التي لا تستقر على حالة واحدة. كأنّ كل الأشياء التي انكسرت لا يُعاد تجبيرها ولكن الرياح العاصفة في القصيدة قد تنشئ غيرها. قد تأتي بتفاصيل تجهلها الحكاية."
ثنائيتان تشدان القارئ عند تصفحه للديوان، الزمن/الانتظار والجسد/الحب، نجدها أحيانا تتلازم في القصيدة نفسها. ولذلك كان اختيار العنوان "النساء انتظار" وهو عنوان لأحد القصائد، باعتباره يبرز محور الكتاب ككلّ، وما خالج الشاعرة من أفكار وهي تجمّع الزمن في سطور. الانتظار بمفهوم العاشقة/المشتاقة أو العاشقة/الخيبات.
في انتظار الوقت
لست أفعل شيئا سوى قتل الوقت
ريم القمري، خريجة معهد الصحافة وعلوم الإخبار بتونس، وجدت نفسها شاعرة، والعلاقة بين الكتابة الصحفية والكتابة الشعرية كما تقول "كلانا نصنع الكلمات". وصناعتها للكلمات، كانت "خطوة أولى للتعبير عن التغيير الذي وصلت له".
"الانتظار مرحلة تغيير للتحرر، وفعلا حرّرت عقلي وجسدي عبر مراحل". وللتحرر في قصائدها حكاية، صار الجسد/المِلْك يحمل الحب كما يحمل الحياة في مزيج من الحركات المناورة للوقت، الجسد أيضا انتظار عند ريم.
مازلت أفكّر في الرحيل
يشدّني جسدي إليك
أسكب حنينه قطرة قطرة
الآن يمسي جسدي لغة محرّرة
تتحرّر ريم/الشاعرة/الفراشة من النظرة المحصورة في جسد بارد داخل دائرة الوقت، تعبر المسافات غير آبهة بجغرافيا تهزمها، فترسم لنفسها أجنحة، أحيانا تطير بهما لمعشوقها، وأحيانا تهرب بهما عنه. إنها كما يقول الكاتب واسيني الأعرج في تقديمه "ربما كانت كل امرأة في الجوهر فراشة. ولهذا مآلها النور ثم الحرق في ظل علاقات مرتبكة وغير حقيقية تكسر منذ اللحظة الأولى كل حياة."
قامت الشاعرة بحبْك هذه الثنائيات في شكل مسترسل، بحيث صارت القصائد مراحل متتالية من حكاية، تبدأ من نقطة انتظار:
في انتظار الوقت أرسم الدوائر
أضع الوقت في سلّة من نقاط
ثمّ تفترض حدوث الحالة (الحب)، "أفترض أنني أحببتك وأنك أحببتي أكثر". وفي الحب هي امرأة عقل/قلب/جسد فتبدأ رحلة التناقضات في العلاقة، مراوغة للمسافات تارة وللزمان تارة أخرى، فهي لا تبني الحكاية على الثبات، بل حركة كثيرا ما تغيّر منطق الحب نفسه.
قال الأديب الجزائري واسيني الأعرج في تقديمه لديوانها: "أهم ما يميّز ريم القمري هو سرديّتها التي قليلا ما نجدها في الشعر في السنوات الأخيرة. هذه السردية تضع القصيدة في أفقها الملحمي، أي ما يحدث أمام أعيننا له قصة بالمعنى الأدبي وليس مجرد لغة هاربة ومنفلتة من عقال النظام".
لا انفصام في الحب بين الجسد والروح
بالحب فقط
نرسم وجه السماء الجميل
عندها
نعلن الجسد عرشا مقدسا للرغبة والحياة
هو تحرر الجسد من ما كان يربطه من أفكار موروثة
بهذه الكلمات حرّرت الشاعرة ريم القمري فِكْرها وجسدها من لعنة الانتظار الحزين، فجعلته لحظات توحّد بين الأنا/الجسد/الروح، وكان العقل سبيلا لفهم العاطفة، لتعيش الحب/الشوق بمختلف حالاته. هكذا تحرّرت ريم، وهكذا حررت المعاني من سجن الكلام العابر، فصارت كلمات شعرية خالصة لحكاية فراشة، تصنع الكلمات، من خلال "النساء انتظار".
ريم القمري فراشة في "النساء انتظار"