بعد إقالة وزير الصحة السعودي بأمر ملكي أخيراً وتكليف وزير العمل موقتاً، أثار السعوديون في شبكات التواصل الاجتماعي و«تويتر» الأماني والجدل حول شخصية وماهية الوزير المقبل، لما لهذه الوزارة الخدمية من أهمية بالغة في حياة الفرد والمجتمع، ولما يعتريها من إخفاقات مستمرة، عانى بسببها الكثير من المواطنين في ظل تناوب وزراء عليها.
في هذه المرة طرح بعضهم في بادئ الأم الدعوة إلى إتاحة الفرصة للمرأة في أن تعتلي وللمرة الأولى منصباً وزارياً في المملكة بعد وصولها إلى عضوية مجلس الشورى، وأن تُمكَّن من ذلك، فربما تكون هي الأكفأ والأجدر، وهو طرح يعارضه فئة أو شريحة أخرى، من منطلقات وفتاوى شرعية تحرِّم تولي المرأة مثل هذا المناصب، وذهب بعض المؤيدين إلى ما هو أبعد بطرح اقتراح من بعضهم أو ترويج إشاعة من آخرين عبر شخصية محددة لتولي هذا المنصب وهي عضو مجلس الشورى السعودي الدكتورة حياة سندي، الموصوفة في الأوساط الإعلامية بـ«العالمة والباحثة»، وحينها فتح التساؤل عن مدى خبرتها وكفاءتها الإدارية في تولي منصب كهذا، فالإبداع والتفوق العلمي والنجاح الأكاديمي والشهرة الإعلانية ليست أمراً كافياً لهذا الاستحقاق، والواقع هو أكبر برهان على ذلك، ولسان هؤلاء يقول: يجب أن نتعلم الدرس من التجارب، وربما قليل أو كثير من هؤلاء لا يجدون مانعاً من تولي المرأة منصب الوزارة، لكنهم كانوا يتساءلون: ما الأصلح للمواطن؟ وهو تساؤل جدير بالاهتمام، وربما كانت الهالة والماكنة الإعلامية هي التي أغرت الكثيرين بطرح وتداول اسم الدكتورة حياة سندي من دون غيرها، في وقت ربما يجهل فيه الكثيرون منهم أسماء قد تكون لها الأحقية الإدارية والعلمية في منحها الفرصة لمثل هذا المنصب من أمثال الدكتورة منيرة العصيمي التي صدر قرار مجلس الوزراء منذ شهرين بتعيينها على وظيفة وكيل الوزارة المساعد للخدمات الطبية بالمرتبة الـ14 بوزارة الصحة، وهي التي تدرجت وظيفياً في وزارة الصحة منذ عام 1984، وعملت على تأسيس لجان وإدارات وأقسام عدة وإدارتها، ولكن النقاش فيما بعد ازداد بُعداً عن صلب الموضوع وعن القضية الرئيسة في أحقية المرأة السعودية في تولي منصب وزاري، إذ تركز النقاش والتساؤل حول الدكتورة سندي وهل هي عالمة؟ وتُدُوولت مقالتان، إحداهما تعزز الشكوك حول منجزاتها ومدى استحقاقها لجملة من الألقاب، والأخرى للرد على تلك الاتهامات.
لن أنجرف في إشغال القارئ في التفاصيل، لأعود من جديد إلى صلب القضية، وهي ما يتعلق إعطاء المرأة الفرصة كاملة للمساهمة الفاعلة في مدخلات ومخرجات عملية التنمية من خلال إعادة توزيع الأدوار بين الرجل والمرأة في المجتمع، من منطلق مفهوم المشاركة، ووقْف سياسة التمييز وإيجاد بيئة عادلة تتحق من خلالها مبادئ المساواة بينهما أمام القانون، ولاسيما أن الزيادة والتوسع في المؤهلات والكفاءات النسائية لدينا يسيران في شكل أفقي ولا يرتفع رأسياً بصورة مماثلة، ولعل من أبرز المعوقات في تولي المرأة منصب الوزارة - مثلاً - في مجتمعنا هو ما يتعلق بالاجتهاد الديني والنظرة المجتمعية حيالها.
في دراسة بحثية لدرجة الماجستير بجامعة الملك عبدالعزيز بعنوان: «معوقات وصول المرأة السعودية إلى المناصب القيادية في القطاع العام» أشارت الباحثة إلى أن إقصاء المرأة السعودية عن الحياة العامة، وعدم المساواة في إعطاء الفرص ينتج منهما إعاقة للمرأة عن وصولها إلى المناصب القيادية، وعلى رغم محاولات زيادة مشاركة المرأة في الحياة العامة، إلا أنها تصطدم بالإطار الثقافي بكل مكوناته، فالتفسيرات الفقهية المتشددة المبنية على إرث اجتماعي تحمل تصورات مجحفة بحق المرأة، وتجعل المجتمع غير قادر على إعطائها الثقة، لتصل إلى أعلى المناصب القيادية «فمن الناحية الشرعية على وجه الإيجاز، يقسم علماء السياسية الشرعية الوزارة في الدولة إلى قسمين، بحسب طبيعة الأعمال المنوطة بها، وهذا التقسيم ليس تقسيماً توقيفياً أو ملزماً، إنما الأمر فيه عائد إلى ما تتحقق به المصلحة ويعود به النفع على المجتمع، الأول منها هي وزارة التفويض، وهي أن يعين الحاكم من يفوض إليه تدبير شؤون الدولة والرعية، وهو ما يعرف في عصرنا برئيس الوزراء أو ولي العهد، والأخرى وزارة التنفيذ - وهي مرتكز حديثنا - أن يسند أو يعهد الحاكم شأناً من شؤون الدولة إلى أحد أفرادها للقيام به على وجه الاختصاص، ويكون هو المسؤول عنه أمامه على وجه الوكالة، وقد كان رأي العديد من العلماء قديماً المنع وعدم الجواز وتبعهم في ذلك بعض المعاصرين باعتبارها من الولايات العامة، ولكن هناك رأي واجتهاد شرعي معاصر يتماشى مع المتغيرات يقول بجواز ذلك باعتباره توكيلاً من الحاكم، والمرأة التي تكون أهلاً وكفأ من حيث الاختصاص للقيام بذلك العمل فليس في الشرع ما ينص على منعها من القيام بذلك لمجرد أنها امرأة، وعلى الصعيد النظامي لا يوجد في النظام السعودي أية نصوص تحول شغل المرأة للمناصب القيادية وصولاً إلى مرتبة وزير، نعم، إن الطريق إلى تمكين المرأة السعودية في شكل عام لا يمكن أن يتم إلا عبر تعديل القوانين كافة المتعلقة بالأحوال الشخصية بما يضمن لها كامل حقوق الأهلية والمواطنة، وذلك لا يعني التقليل من أهمية وجود سيدات في أعلى المناصب القيادية ودورها في تعزيز حضور ومشاركة المرأة في المجتمع.