في شريط قصير من ثلاث دقائق نُشر على «فيميو»، تستعرض المخرجة السوريّة ياسمين فدا بعض مراحل تصوير وثائقي «ملكات سوريا». أنجز فريق العمل نحو 80 ساعة تصوير، ويحتاج التمويل لاستكمال مراحل المونتاج، كما يخبرنا الشريط. في تلك الدقائق القليلة، يبدو واضحاً أنّ الفيلم لن يبتعد عن الشكل الدارج لأعمال فنية تُصنع من وحي المأساة السورية. تكتفي تلك الأعمال بغالبيتها بانطباعات صنّاعها عن الحدث السوري، وإبراز الاصطفاف. أفلام قصيرة، مقاطع فيديو، لوحات فنية، أغان، كلّها أعمال تحمل ثغراتها معها، لكنّها تُقدَّم بلسان صانعيها، كأنّها مرجع متكامل عن شعب، ووثيقة لذاكرته أيضاً!
يتناول الفيلم ورشة عمل مسرحي، شاركت فيها أربعون لاجئة سوريّة إلى الأردن. تظهر في الشريط الممثلة السورية ناندا محمد مشرفةً على تمارين الصوت والجسد للمسرحية المأخوذة عن «نساء طروادة»، أقدم نصوص الروائي المسرحي اليوناني يوربيديس (480 ـ 406 ق.م). تحكي المسرحية الأصلية معاناة النساء زمن الحرب. ولكن، «يتغير السلاح والحرب تبدو أبدية». من هذا المنطلق، وجد صناع الفيلم تشابهاً كبيراً بين مصير النساء في سوريا، ومصير نساء طروادة. صور بصريّة متشابهة، مربكة، ويائسة. في العمل دعوة للجوء إلى الفنّ كمخرج من المأزق، لكنّ المأزق يتّسع. نقع أيضاً على إملاءات تعبيرية لم تف بالغرض، وإسقاطات رمزيّة لا تخدم اسم الفيلم. تسرد النساء قصصهنّ من دون وسيط. تحتفين بما جرى معهنّ منذ اندلاع الأحداث في سوريا، إلى أن أصبحن لاجئات خارج البلد على طريقة القصّ. «تفاجأنا، الخبر إجانا انه استشهد أخواتي الاثنان وأبي»، تسرد إحداهنّ. تتعلمن ضمن تجارب الأداء إنقاذ مصاب. إحداهنّ تقرأ لأطفالها، وتريد أن يصل صوتها إلى كلّ العالم: «إحساسي انّه في عندي صرخة، وبدي اصرخها. خلي كل العالم يسمعها». تسأل أخرى: «يا ترى في نتيجة»؟
لا يخلو الفيلم الذي تشارك في صنعه عتاب عزام المقيمة في لندن بعدما قضت ما يقارب الشهرين مع لاجئات سوريات في كل من لبنان والأردن، من طابع حميمي. «بنتي حبيبتي علا. مبروك الزواج. كنت حابة افرح فيك واعمل عرسك بصالة». رسالة تقرؤها إحدى المشاركات على خشبة المسرح. «لا البيت بيتنا، ولا المكان مكاننا ولا البلد بلدنا»، تقرأ أخرى. حسرة فوق الحسرة. ألم مختوم بالتصفيق. جمهور افتراضي يتنبأ، وآخر يعاين المأساة. نسوة ينشدن الحلم، على طريقة الملكات. «انظري إليّ وستجدين مأساة تمشي على ساقين.. كنت أيتها الأم زوجة قائد عظيم». ينتهي الشريط بالتصفيق في مشهد أخير لمسرحية شخصياتها سوريّة، لكنهنّ لسن ملكات، بل وحيدات ينتظرن أدوارهن من جديد، للعودة إلى الخشبة.
لا يتضمّن الشريط الترويجي للوثائقي، إلا تعبيراً عن الخسارة، في رسالة إلى عالم لا يدرك أنّ نجمات الشريط، المتشحات بالسواد، لا يشكّلن إلا عيّنة من نساء سوريا. يظهر الفيلم نموذجاً واحداً للسوريّات، لكنّه يقدّمه كرمز لكلّ امرأة سوريّة، كأنّ صانعيه ينظرون إلى تلك المرأة من بعيد، بعين أجنبيّة لا تعرفها عن حقّ. كما أنّه يقدّم وقائع مغلوطة، حين يصف النساء بـ«ملكات في منازلهنّ»، إذ إنّ معظمهنّ يعشن تحت نير اللجوء والحرب، ومعهما سطوة الرجل والمجتمع ومفاهيمه الذكوريّة. ورغم نجاح القيّمين على المشروع في اختيار إسقاط رمزي على واقع نساء سوريا في نصّ يوربيديس، إلا أنّه يتضمّن مبالغات ترويجيّة عدّة، بنفس استشراقي. فسوريا أوسع من نقاب أسود، وأكثر ألماً من هيكوبا.