الكـنــافـة : الحلوى ذات الطعم الرائع ، جاء في التاج للزبيدي عنها : والكُنافَةُ كثُمامَةٍ :هذه القَطائِفُ المَأْكُولَة وصانِعُها كَنَفانِيٌّ محرَّكَةً.قلت:وفيها يقول الشاعر:
سقى الله أكناف الكنافة بالقـطـرِ == = وجـاد عليهــا سُـكّـراً دائـم الدرِّ
وتبَّـا لأوقات (المخلل) إنَّهــــــا = = = تمرُّ بلا نفع وتُحسب من عمري
والاسم من الجذر الثلاثي ( ك ن ف ) ، والكَنَفُ : الظِّلُّ يُقال : هو يَعِيشُ في كَنَفِ فُلانٍ : أَيْ في ظِلِّه وحمايته وحفظه ، أو كأنه داخل جدرانه وسور بيته ( مبالغة في الحفظ والحماية ) ، والكَنَفُ : النّاحِيَةُ كالكَنَفةٍ مُحَرَّكَةً أيضاً وهذه عن أَبي عُبَيْدَةَ والجَمْعُ : أَكْنافٌ . وأَكْنَافُ الجَبَل والوادِي : نَواحِيهِما حَيْثُ تَنْضَمُّ إِليه وفي حَدِيثِ جَرِيرِ بنِ عَبْدِ الله قال له : أَينَ مَنْزِلُكَ ؟ قالَ : بأَكْنافِ بِيشَةَ أَي نواحِيها ، وجاء في الحديث الشريف عن الفئة المنصورة المجاهدة قوله - بأبي هو وأمي - : (( في بيت المقدس وأكناف بيت المقدس )). وكَنَفا الإِنسِانِ : جانِباهُ وناحِتاهُ عن يَمِينِه وشِمالِه وهُما حِضْناه وهُما العَضُدان والصَّدْرُ . ومن المجاز : الكَنَفُ من الطائر : جَناحُه وهُما أي الجناحان كَنَفانِ يُقال حَرَّكَ الطائِرُ كَنَفَيْهِ قال ثَعْلَبَةُ بنُ صُعَيْرٍ يصفُ ناقَتَه :
وكأَنَّ عَيْبَتَهــا وفَضْلَ فِتانهــا ... فَنَنانِ من كَنَفَيْ ظَلِيمٍ نافِـــــــــــــرِ
وقال آخــــرُ :
عَنْسٌ مُذَكَّــرَةٌ كَأنَّ عِـفاءهــا ... سِــقْطانِ من كَنَفَيْ ظَلِيمٍ جافِــــــلِ
وقال الرازي في مختار الصحــاح : كَنَفَهُ حاطه وصانه وبابه نصر و الكَنَفُ بفتحتين الجانب و تَكَنَّفُوهُ و اكْتَنَفُوهُ و كَنَّفُوهُ تَكنِيفاً أحاطوا به و الِكنْفُ بكسر الكاف وعاء تكون فيه أداة الراعي وبتصغيره جاء الحديث الشريف على زنة فُعيل : { كُنَيْف مُلئ عِلماً } و الكَنِيفُ الساتر ومنه قيل للمذهب كَنِيف ، ولبيت الخلاء كذلك ، قلت : وما سُمّي بهذا الاسم الا لأنه يستر العورات ويحفظها ، وكان العرب قبل اتخاذ الكُـنُف يقضون حوائجهم بالفلاة ليلاً ، يخرجون الى الخلاء بعيداً عن بيوت السكن في الليل غالباً !
ولكم أن تتخيَّلوا تحضرهم ومدنيَّتهم في ذلك الزمن الغابر، مقارنة مع الصينيين اليوم ،، من منكم ذهب إلى الصين ولاحظ في الطريق الى " غوانجو \غوانزو" وجود مقاعد المراحيض في الهواء الطلق ؟؟ ويجلس الصينيون وأشباههم من البوذيين على تلك المقاعد لقضاءالحوائج بشكل مختلط ( حبل مودّع ) كما يقال.
أما التسمية ( كُـنـافـة )فأظنها أتت من الكنف وهو أن هذه الحلوى تُـعّـدُّ بشكل أسوار وجُـدُر بداخلها اللوز والصنوبر والفستق و....الحشوة المعروفة ، وأشهر أنواع الكنافة ما كان مصنوعا في نابلس أو حمص وحماة ...
والعَـوَّامةُ نوع من الحلوى أيضا ، كرات من العجين تُقلى بالزيت حتى تحمـرَّ كالدنانير ثم تُغطس بالقطر البارد ( الماء المشبع بالسكّر) ،واذا لم تغطس بالسكر فهي " زلابية " ، وهي من الجذر الثلاثي (ع و م ) ، والتسمية أتت من التَّعْوِيمُ ، وهو وضع الحَصَد قُبْضةً قُبضة فإذا اجتمع فهي عامةٌ والجمع عامٌ ، وكذلك يفعل صانع العوامة يأخذ من العجين قبضة قبضة فيلقيها في الزيت المغلي ، أو لأنها أي كرات العجين تعوم في الزيت وتسبح حتى تنضج ! وأشهر العوامة الدمشقية ، وأذكر صانعاً لها في بوابة الصالحية ، وآخر في باب الجابية كنا نذهب اليه بعد الانتهاء من المحاضرات الجامعية ، وكلما سنحت لنا الفرصة وتوفّـر المال اللازم ، رغم أن هذه الحلوى كانت زهيدة الثمن بالقياس والمقارنة مع البصمة و" عش البلبل" و" المبرومة " وحلاوة الجبن ، و " الوربات بالقشطة " و " النابلسية" وحلوى " سلورة" الحموية و" كشك الامراء " والمهلبية ، و" كل واشكر " وبعضهم يسميها الـ(بغاجه) ، ولاتنسَ الحلوى الدمشقية الشهيرة باسم أسرة " مهنّـا " وكنا نحجز حاجتنا من حلوى مهنّــا قبل أشهر ، بسبب الازدحام على طلبها . وأسماء الحلويات بدمشق كثيرة جدا ومتعددة والدماشقة مشهورون بطعامهم اللذيذ وحلوياتهم وفواكههم وبانواع البوظة ( آيس كريم ) اي المثلجات ، والمطبخ الشامي أشهر من أن نتحدث عنه ، وفي الأمثال الشعبية المعبرة عن ذلك : ( من اراد اللقمة الهنية فليتزوجْ شامية ) والشامية هي الدمشقية حصرا وليست المنتمية الى بلاد الشام . ومن حلوى بلاد الشام القطائف وهي أنواع حسب الحشوة ( قشطة أو جوز أو لوز وفستق أو ....الخ)، ومن الحلوى المشهورة الراحة ، والراحة متعددة الانواع فالدمشقية والبيروتية منها تُدعى " راحة الحلقوم " وتمتاز بالقطر النباتي الممسّك ، والمصنوعة من السكّر الصافي تشتهر بها مدينة " أذرعات \ درعــا " عاصمة الجنوب السوري ( حوران ) ومن زار درعا ولم يشترِ من راحتها فكأنما لم يزرها . وهناك نوع آخر من الراحة يشبه الحورانية لكنه يميل الى الحموضة باضافة عصير الرمان الى عجينته فتراه مائلاً للحموضة ، وهو الراحة الاسطمبولية ، نسبة الى " استامبول " عاصمة القسم الاوروبي التركي .
وفي الزلابية لا أزال أذكر شعر ابن الرومي عن قالي الزلابية وجاء فيه:
ومستـقرٌّ على كـرسيهِ تعِـب ===روحي الفـداء له من منصب تعبِ
رأيتـه سَحـــَـراً يقـلي زلابـيــةًً=== في رقة القشر والتجويف كالقصب
يلقي العجـين لجيناً من أنـامله === فتستحيـل شــبابيـكـــاً مـن الذهـب
وأذكر شعراً لأمير الشعراء شوق ، في حلوى آل البحصلي الشامية خاصة :
قالوا إذا جُـبْـتَ البلادَ محدثاً = = = عن حـلو بيـروتٍ لأفخـر معـمـل
أثنان حدّث بالحلاوة عنهما = = = ثغر الحبيب وطعم حلو البحصلي
ومن الحلوى الشاميةالقمر الدين والحدف والكلاج بالقشطة والنهش والرهش والمدلوقة والكربوج (بالفستق الحلبي والجوز)وورد الشام والعثمانية(أو البصمة) والجوزية والفيصلية ، وأنواع من الخبز المُـحَلّــى وله أكثر من مئة نوع في دمشق وأكناف دمشق ، ناهيك عن السكاكر المتعددة الانواع والاسماء والالوان ولكل منها قصة ومناسبة ( ملبّس – مطعّـم – نوغــا – ملبن – شوكولاتة ، وتدعى بالعامية الدارجة "شوكلاطة" و غير ذلك ...) . من مأكولاتِ أصبحت من الممنوعات في هذا العصر الذي لم يسلم منه من داء السكري الا ذوو الحظ العظيم ، لذلك قلَّ استهلاكها والاقبال عليها ، واذا ما قُدِّمت في بيوت الضيافة عادت صحونها شبه سالمة ، يصاحبها الاعتذار من مرضى السكري، والذي لم يُصَبْ به فهو ينتظر ، أو يمارس حِمية ( فهو دايت - أو من ذوي الريجيم )، والعرب محبون للحلوى ماهرون بصناعتها ، فمما ينقل عن أبي عبيدة (معمر بن المثنى) أن العرب كانت تقول : «كل طعام لا حلواء فيه، فهو خداج»، أي ناقص. ولقد كان من أهم محتويات الحلويات العربية القديمة التمر والزبدة (أو السمن) والعسل ، ومن الأخير + الدقيق النقي كان يصنع الخبيص (أو الخبيصة). ومع امتداد الدولة الإسلامية ومن ثم احتكاكها بحضارات أخرى تعززت معرفة العرب بفنون الطعام وطرق تحضير الحلواء، فعرف العرب الفالوذج (بفتح الذال) المصنوع من الدقيق والماء والعسل،واللوزينج(بكسر الزاي وفتح النون) وهو شبيه بالقطائف مع دهن اللوز، والزلابية المعروفة حتى اليوم في معظم أنحاء العالم العربي، والقطائف والكنافة، وهمامن أشهرأمهات الحلويات العربية كما قدَّمْنـا.وقد اشتهر الموسيقار زرياب بأنه من الذواقين الخبراء الذين أسهموا في إدخال الحلويات العربية إلى الأندلس ومنها إلى أوروبة ، ودفعت شهرة الكنافة والقطائف الإمام جلال الدين السيوطي إلى جمع ما قيل فيها في كتابٍ سماه «منهل اللطائف في الكنافة والقطائف» ، ولربَّ سائلٍ عن سرِّ شهرة الشام بالحلوى ، والجواب : في بلاد الشام ونظراً لجودة الفستق الحلبي واليانسون الدمشقي والقمح الحوراني عالي الجودة والسمن الحموي والفواكه اللبنانية والفلسطينية وما جاورها في تركية ، كالكرز والمشمش والخوخ وقصب السكر والفراولة ( الفريز) والليمونيات (ومنها يستخرج ماء الزهر) والرمان والجوز واللوز والصنوبر التي تدخل في صنع عدد من الحلويات. كلُّ هذا أدّى إلى شهرة الحلويات الحلبية والطرابلسية والدمشقية والبيروتية والنابلسية في عموم العالم العربي ثم العالم كله ، واشتهرت عائلات شامية معيّنة يأنواع معينة من الحلوى على مر العصور .
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .
حاشية :
عبر الأجيال، اتقنت أجيال متعاقبة من بعض العائلات في بلاد الشام صنع الحلويات العربية، العديد منها استمر منذ القرن التاسع عشر وانتشرت معامله ومنتجاته داخل العالم العربي وخارجه. ومن أشهر الأسماء وأقدمها مؤسسات مهنّـا (1935)، وآل زنبركجي (1930) ، وآل داوود ، وآل أبو اللبن، وآل بوز الجدي، وآل عرفة (1932) وبكتاش في دمشق ، وآل مستّت (انطلقت قبل أكثر من مئة سنة) ، وآل العُرَيسي (أسست عام 1844 وكانت المؤسسة المعتمدة لتوريد الحلويات للعرش العراقي خلال العشرينات) وآل الصمدي (1860) وآل البحصلي (1870في بيروت ) وكانت متعهدة توريد الحلويات لعرش الملك فؤاد الأول في مصر. وآل الحلاب (1881) ، وآل الصيداوي في بيروت وصيدا وتخصصوا بالحلاوة المصنوعة من زيت السمسم ، وآل العرجة في طرابلس الشام . وآل السنيورة وآل البابا في صيدا. وآل الدويهي وفؤاد الجر الدويهي (1919) من زغرتا قرب طرابلس . وآل زلاطيمو (1860) في القدس وانتقلت صناعتهم اليوم الى الاردن ، وآل ساق الله في غزة. وآل مهنا وآل مهروسة في حلب وسلورة في مدينة أبي الفداء ، حماة(1900ومابعدها) وآل الزقطي وقطيفان والشريدة واللكود في حوران(درعا والقنيطرة منذ حوالى سبعين سنة ) .
اضافة الى آل حبيبة النابلسي المتخصصون بصناعة حلاوة الجبن والكنافة النابلسية منذ مئة سنة .