الارشيف / عالم المرأة / أخبار المرأة

العنوسة في تونس: خلل في القيم … ضريبة تحرر أم أزمة اقتصادية؟

  • 1/2
  • 2/2

 ‘شكون ما زال ينجم يعرّس توة’ (من يستطيع الزواج الآن)، بهذه العبارة تلخص الشابة التونسية مُنية (35) مأساتها الطويلة مع العنوسة، فبعد مسيرة تعليمية ناجحة توّجتها مؤخرا بنيل شهادة الدكتوراه في القانون، لم تتمكن من الظفر بشريك العمر حتى الآن.
وتقول منية لـ’القدس العربي’: ‘لم يكن لدي وقت للتجارب العاطفية وحتى من تعرّفت إليهم في بداية دراستي الجامعية لم يكن ثمة انسجام كبير بيننا في الاهتمامات والهوايات، لدي قناعة شخصية أن الرجل يغار من تفوق شريكته علميا وإن كان يرفض الاعتراف بذلك في الظاهر، وأكاد أجزم أن صفة ‘الدكتورة’ هي في الغالب مرادفة لصفة العانس أو ‘البايرة’ كما نقول في لهجتنا المحلية’.
حالة منية قد تنسحب على فئة كبيرة من الشباب التونسي (الرجال والنساء) الذي اضطرته الظروف الاجتماعية والاقتصادية لتأجيل زواجه أو البحث عن ‘بدائل أخرى’ مؤقتة وأقل كلفة على الصعيد الاقتصادي رغم آثارها الاجتماعية المدمرة أحيانا.
يقول عز الدين (52 عاما)، أن الظروف الاقتصادية القاسية دفعته لمساعدة والده على إعالة إخوته الثمانية وتأجيل فكرة الارتباط بـ’بنت الحلال’ لأكثر من عقدين.
ويضيف (بحسرة) ‘حين فكرت في الزواج أدركت متأخرا أن الزمن تغير كثيرا، ولم أعد قادرا على تحمل مسؤولية بيت وزوجة وأطفال، لذلك آثرت حياة العزوبة على الحياة الزوجية’.
وفي مجتمع يوصف عادة بـ’الانفتاح والتحرر’، تسجل العنوسة مستويات مرتفعة بين الشباب التونسي تتجاوز 60 بالمئة (وفق إحصائيات رسمية ودولية) وهي أعلى نسبة في بلدان المغرب العربي، وهو ما يدفع الخبراء للتحذير من آثارها الاجتماعية الكارثية على بلد يمثل الشباب أكثر من 30 بالمئة من سكانه.
تأخر سن الدراسة والعمل
ويقول الباحث الاجتماعي أحمد الأبيض ‘الزواج أصبح مؤجلا لدى غالبية الشباب التونسي لعدة عوامل منها تأخر سن الدراسة والعمل، فغالبية الفتيات اليوم يرغبن بمتابعة التحصيل العلمي حتى مستويات مرتفعة (دكتوراه)، وبعد الدراسة ينفقن سنوات من عمرهن في البحث عن وظيفة مناسبة قبل التفكير بالزواج، كما أن الشاب أصبح يبحث عن فتاة عاملة للمساعدة لاحقا في تأمين نفقات الأسرة الكثيرة’.
ويشير الأبيض إلى أن ارتفاع تكاليف الزواج في ظل الوضع الاقتصادي المتردي في البلاد يدفع نسبة كبيرة من الشباب إلى الهجرة للبلدان الأوروبية، حيث يتزوجون من فتيات أجنبيات (أو من الجالية العربية هناك) على اعتبار أن إجراءات الزواج هناك بسيطة ولا تحتاج إلى نفقات كبيرة.
لكن بعض المراقبين يشيرون أيضا إلى أسباب أخرى تساهم في تفاقم العنوسة منها الانفتاح الثقافي الكبير على الغرب وتغيّر نظرة الشباب لمؤسسة الزواج نتيجة تزايد العلاقات الجنسية قبل الزواج وارتفاع نسبة الطلاق في البلاد.
وتشير بعض الدراسات المحلية إلى أن تونس تحتل المرتبة الأولى عربيا والرابعة عالميا في نسبة الطلاق (أكثر من 9 آلاف حالة طلاق سنويا)، وتؤكد أن المشاكل الاجتماعية والمادية والتباعد الثقافي بين الزوجين تتسبب بأكثر من نصف حالات الطلاق.
ويتساءل مراد (28 عاما) ‘ما أهمية الزواج إذا كنت تستطيع تلبية جميع احتياجاتك الحياتية بشكل طبيعي؟’، مشيرا إلى أنه اختار ‘المساكنة’ على الخوض في متاهات حفل الزفاف وتجهيز البيت وتكاليفهما الكبيرة.
ولا تحدد مجلة (قانون) الأحوال الشخصية في تونس قيمة معينة للمهر، لكن المشرعين اتفقوا على حد أدنى قدره 10 دنانير (حوالي 6 دولارات)، غير أن العادات الاجتماعية تفرض على الزوج دفع مبالغ باهظة (8 آلاف دولار وسطيا) لحفل الزفاف الذي يمتد لخمسة أيام، فضلا عن التجهيز المكلف لمنزل الزوجية.
اهتزاز الثقة بمؤسسة الزواج
ويرى الباحث الاجتماعي جابر القفصي أن انهيار الثقة بمؤسسة الزواج بسبب ارتفاع نسبة الطلاق إلى جانب تأخر سن العمل وممارسة الجنس خارج الزواج تعد من أبرز الأسباب الكامنة وراء تفاقم ظاهرة العنوسة و’بالتالي فشل منظومة الزواج عموما’.
ويضيف لـ’القدس العربي’: ‘في تونس ليست هناك مؤسسات تهتم بتثقيف الشباب حول قضايا الزواج والجنس وطريقة التعامل مع المرأة والتحكم بنفقات المنزل، أضف إلى ذلك الشباب في تونس معتادون على الرفاهية (واللامسؤولية في بعض الأحيان)، إلى جانب ضعف الوازع الديني والأخلاقي والبحث أيضا عن الاستقلال إضافة إلى الخوف من الزواج والارتباط’.
ويذهب الباحث أحمد الأبيض إلى أبعد من ذلك في تفسير الظاهرة، حيث يحمل نظام الرئيس السابق زين العابدين بن علي مسؤولية ‘إشعاعة الميوعة والتحلل من الدين داخل المجتمع التونسي’ خلال محاولته التصدي للظاهرة الإسلامية التي بدأت تكتسب تأييدا شعبيا كبيرا في نهاية ثمانينيات القرن الماضي.
ويضيف ‘وهذا جعل العلاقات الجنسية خارج إطار الزواج تأخذ طابعا ‘قدريا’ بين الشباب، وحول بالتالي عددا كبيرا من الفتيات إلى ‘عابرات سرير’ غير محافظات على إنسانيتهن’.
ويدعو إلى إحداث ‘ثورة في المفاهيم المتعلقة بالزواج في تونس، عبر تأكيد أهمية الزواج كعلاقة مقدسة وإعداد الشباب لبناء أسر ناجحة، والتصدي لإرث المرحلة السابقة القائم على الترويح للانحلال داخل المجتمع، ومساهمة الحكومة في التخفيف من أعباء حفل الزواج على جميع الأًصعدة’.
لكن رأي الأبيض (المرتبط بالعلاقات خارج الزواج) يبدو غير مستساغ لدى عدد كبير من الفتيات في تونس، حيث تلمس فيه آمال (31) نوعا من ‘التجني والإساءة لفتيات تونس′، وتضيف ‘لا شك أن ثمة حالات كثيرة لفتيات أو شباب يقمن علاقات جنسية خارج إطار الزواج، لكن هذا لا يعني بأية حال أن نستغل ذلك للإساءة إلى صورة المرأة التونسية التي تفوقت على الرجل في عدة أمور’.
تحرر المرأة وفقدان الأنوثة!
وفي ذات السياق، يميل بعض المراقبين إلى البحث عن تفسير آخر لظاهرة العنوسة في تونس يتلخص بـ’طبيعة المرأة التونسية المتمردة والساعية للمساواة مع الرجل وعدم الخضوع له تحت أي ظرف’.
يقول الباحث جابر القفصي ‘في تونس فهمنا حرية المرأة على أنها مساوية للرجل في كل شيء وأقمنا علاقة ‘صراعية’ (صراع مهني) بينهما وبات جل هم المرأة التخلص من سيطرة الرجل (في حال وجودها)، وربما أميل أحيانا إلى تأييد المفكر التونسي الطاهر لبيب في قوله إن المرأة التونسية كلما تحررت ‘تذكّرت’ (زادت نسبة الذكورة لديها)’.
لكن القفصي يشير بالمقابل إلى أن المرأة التونسية شكلت موضوع ‘متاجرة سياسية’ لدى بعض الأطراف الذين حاولوا استغلالها في تحقيق بعض المكاسب، ويؤكد أيضا أن المجتمع يميل إلى محاسبة المرأة على سلوكها أكثر من الرجل ‘ففي فعل ‘الزنا’ مثلا نلجأ لمحاسبة المرأة فقط، وهي عادة لا تقرأ حساب هذه الأمور، ولكن بعد وقوعها تحاول لعب دور الضحية، وأحيانا لا توفق في ذلك’.
ويمنع القانون التونسي مسألة تعدد الزوجات، وينص الفصل 18 من مجلة الأحوال الشخصية على سجن وتغريم أي شخص يجمع بين زوجتين.
وبعد الثورة حاول بعض الدعاة والمحسوبين على التيار السلفي استغلال تزايد نسبة العنوسة في البلاد للدعوة إلى سن قانون يسمح بتعدد الزوجات باعتباره يساهم أيضا في التقليل من الخيانة الزوجية لدى الطرفين.
لكن هذا الأمر قوبل بمعارضة كبيرة لدى عدد كبير من التونسيين، حيث اعتبر البعض أنه محاولة لاستغلال المرأة والتقليل من قيمتها أمام الرجل والسعي لحرمانها من المكاسب الكثيرة التي تتمتع بها منذ نصف القرن، لكن بعض النساء تظاهرن أمام المجلس التأسيسي للمطالبة بالسماح بتعدد الزوجات كـ’حل معقول للخيانة الزوجية’، وهو ما قوبل أيضا باستغراب كبير لدى بعض الحقوقيين.

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى