في حياتنا مشاهد كثيرة ونماذج عديدة تم خلالها استغلال حاجة الآخرين، أو تم فيها استغلال غفلتهم أو عدم علمهم وجهلهم، أو تم استغلال ثقتهم وحبهم. ويمكن وضع عشرات المشاهد لحالات تم فيها الاستغلال في صور مؤلمة لا تنم عن أي قدر من الإنسانية.
أحياناً نحن من يتسبب في وقوعنا ضحايا للاستغلال، الذي له ألوان مختلفة وأنواع متباينة، مثل الاستغلال المالي، وهناك الاستغلال العاطفي وهناك الاستغلال الأخلاقي .. إلخ. أيضاً يوجد استغلال سطحي مضحك ويوجد استغلال إجرامي بالغ الخطورة، لكن مع اختلاف حجم الضرر تبقى ظاهرة إجرامية لا تنم عن احترام لأي قيمة أخلاقية. مرة أخرى أعود أؤكد أننا في أحيان نحن من نسبب لأنفسنا الوقوع في براثن الاستغلال، وهناك من فقد ماله وآخرون فقدوا حتى ثقتهم في الناس ككل بسبب تجاربهم المؤلمة مع أشخاص أوهموهم طوال سنوات أنهم الأصدقاء الأوفياء، وبمجرد جمعهم بعض المال من الضحية لاذوا بالفرار تاركين إياه سابحاً في حسرة الندم لفقد الصديق وفقد المال.
لكنني أكاد لا أكون مبالغة أن الأكثر ألماً وحسرة هو الاستغلال العاطفي أو ما يسمى بالحب، فكم مرة نسمع عن ضحايا للحب من الطرفين، في هذا السياق أتذكر قصة روتها إحدى الأمهات عن ابنها الذي فوجئ بأن الفتاة التي عاهدته على الإخلاص والوفاء وبأنها ستنتظر حتى ينهي المرحلة الجامعية ويجد وظيفة ملائمة ويتم الارتباط والزواج، لم تطبق وعودها، فالذي حدث مغاير تماماً لما كنا دوماً نسمع عنه من أن الفتاة هي من تقع ضحية.
تقول هذه الأم إنه برغم ذهابي أنا وبناتي وخطبتها رسمياً من أهل هذه الفتاة، وبرغم أن ابني تقدم لها رسمياً، ووافقوا على الانتظار حتى ينهي المرحلة الجامعية وتسلمه وظيفة مناسبة، وعندما لم يبق إلا الوظيفة التي بات قاب قوسين أو أدنى منها، طارت العروسة وتزوجت برجل آخر مقتدر. وكأن لسان حالها يقول عصفور في اليد ولا عشرة على الشجرة.
في الحقيقة لا ألوم هذه الفتاة، فمن الذي كان يضمن وفاء هذا الشاب معها خصوصاً ونحن يومياً نسمع عشرات القصص لشباب غرروا بفتيات ثم تجاهلوا الوفاء بوعد الزواج. عموماً الأم المكلومة كانت تقول إن ابنها تم استغلاله عاطفياً ومالياً من هذه الفتاة، حيث كان يصرف عليها ويقدم لها الهدايا ونحوها. قلت لها يا أم سالم قولي الحمد لله إن هذا الاستغلال الذي واجهه ابنك في مقتبل حياته والمقبل أفضل وأكثر إشراقاً بحول الله .. كوني متفائلة.