يتمركز الفضاء المسرحي في عرض فرقة تربية كربلاء ( نساء ثلاث ) علامة إطارية لمجمل أصوات خطاب العرض ليؤثث أبعاداً وأنساقا وتواصلات فكرية وأسلوبية وبنائية يحتكم إليها المتلقي في دالات استقباله لمنظومة علامات العرض عامة فالنص المسرحي للكاتب ( قاسم حميد فنجان ) يحمل عتبة عنوانية بيافطة ( موت الحفيدة حكاية مسرحية عن نساء الحرب ) ليتم استبداله من قبل المعد والمخرج الفنان ( مهدي هندو ) الى ( نساء ثلاث) مستلاً واحدة من حوارات شخصية ( الجدة) والعنوان بعده نص له أسلوبيته وبنائيته ودلالاته في مضان خطاب العرض.
يتخذ إلزاماً نسقياً له موجهاته الثقافية المضمرة إزاء المرأة / الأنثى من مظاهر عدة ، فهو ،أي العنوان في دلالات نسقية، يعتمد ( التنكير ) ( نساء ـ ثلاث ) دون مسبقات تعريفية . والعنوان من بعد له استدعاء ( ظاهراتي ) تفعله ( الجدة ) والتي أوقفت ذاتها نسقاً ثقافيا في سرد الأحداث وفق عنوان الكاتب ( قاسم حميد فنجان ) لتكون حكائية لحياة تمتد لأجيال ثلاث تمثلها هي في معالجاتها وابنتها وحفيدتها . وتتخذ آليات السرد بعداً أحاديا تمثله رؤية الجدة وتعينها للأحداث والشخوص أبان ظرف ملحمي مثل ( الحرب ) التي تحتطب الأزواج / الرجال في الأسبوع الأول من الزواج . ما يدفع الجدة التي فارقها زوجها في ذات التاريخ لأن تقف دون زواج ابنتها وحفيدتها حد دس السم في حفل زواج الحفيدة لكي لا تتكرر حوادث الموت للأزواج وبحادثة الانتحار لـ ( الجدة / الحفيدة ) ختم خطاب العرض آليات الحياة الخاصة بالمرأة / الأنثى بأنساق متعالية اقترنت بها الذات النسوية مثل ( الشفاهية / السرد / الشكوى / اللطم / الانتحار ..) .
واتخذ المعد والمخرج ( هندو ) آلية في ترشيق النص في سعيه لاختزال شخصية (الأم) واظهارها في علامة ( الشبح ) وترحيل حوارها الى حوار ( الجدة ) و ( الحفيدة ) آن حادثة ( الانتحار ) .
واحتكم الفضاء على نسق الإغلاق / التكتم / العزلة لامرأة / أرملة / وحيدة ( الجدة ) ما وسم خطاب العرض بسمات ( المونو دراما ) إذ يمكن رفع واختزال الحوارات وحضور الشخوص المستحضرة ( الأم / الزوج / الابنة / عازف الليل ) وترحيلها الى رؤية ( لجدة ) . ويتم إغلاق فضاء البيت من ( أبواب / نوافذ .. ) وفق ترددات الواقع السوسيوـ سايكولوجي لـ ( الجدة ) فهي وفي واحدة من حواراتها التي رفعها المعد والمخرج الى رؤيته لأدائية تجهر بأنها ( قد أغلقت النوافذ والأبواب ) فكان أن استجاب ديكور الثلاثي ( فاضل ضامد / عايد حيران / حيدر الوزني ) الى تلك الإشارة لتلق النوافذ الثلاثة بصيغ التنفيذ التقليدي في فضاء المسرح بهدف الإشغال حسب !!
وأسس خطاب العرض بتلك العزلة بنية انغلاق وانكفاء تجسدت في ثلاثة فضاءات يتقدمها فضاء ( البيت ) بعده ظرفاً زمكانياً مغلق على أسرار وأحداث العائلة . وفضاء ( الصندوق ) الخشبي بإضمامة على عدة الحياة العسكرية ومستلزمات القتال حين يكون ( مستودعا ) لكل الذاهبين من الرجال الى ساحة القتال بإيداعهم أو استلامهم لعلامات القتال ( الأب ـ الزوج ) . كما تعد ذات ( الجدة ) حاضنة خزانة سوسيوـ ثقافية في أداءها الحكائي / السردي وفي الوقت الذي تنفرج به فضاءات الصندوق و ( الجدة ) يظل فضاء ( البيت ) في عزلة تامة دون دخول أو مغادرة إلا عبر ذاكرة ( الجدة ) باستدعائها الشخوص بتراتب تعقيبي أو تجييلي . فالنص يمتد على ظرف زماني بتجاوز الأربعين عاماً من الحروب والأزمات لتأتي ( مرويات ) و ( الجدة ) ذات دلالة ( فينولوجية ) وهو شأن نسقي يناظر استدعاءات ( شهرزاد ) للاحداث عبر ذاتها الساردة وكانت للكاتب أو / والمعد فرص لتنوع الأداء العلاماتي من ( زي / حوار / ألفاظ / فضاء ) للفوارق الجيلية بين ( الجدة ـ الأم ـ الحفيدة ) فكان أن رصفت تلك الأجيال بنسق لغوي و دلالي واحد يصوت بصوت الكاتب / ( الفحل ) دونما ازاحات ( غيرية ) ( جنسوية ) .
وتراسل ( البيت ) سمة ظاهراتية في تأسسه السوسيو ـ ثقافي . وعند ( باشلار ) وفي ( شعرية المكان ) ثمة مشاطرة بين ( البيت ) ولا ( البيت ) ويؤشر ( لوتمان ) ليكون الفضاء معيارياً ( سلبيا / أو / وإيجابياً ) وذلك الأقرب الى مراسلات وتأثيثات الفضاء بكونه لا ( بيت ) لما يشهده من قسرية وسلطوية اتجاه الشخوص وباستثناء حركية علاقة ( الصندوق ) السيميائية وتبدلاته من قبل ( مكان للجلوس / والحركة .. ) استبقت مجمل العلامات الأخرى دون فعالية حركية سواءً وظائف الأشغال الفضائي . فعلامة ( الكرسي / المرآة / الستائر / الأبواب ) لم تشهد تماساً ادائياً ولعلها راشحة في سكونية إغلاق البيت .
وأوقف خطاب العرض حراكه على استرجاعات ( نوستولوجية ) ما قيد رؤية الأداء في حدود الماضي والواقع دون جدلية استشرافية ماكرس نسقية ( الذكورة ) في ختم النهاية إذ لا توجد في أعراف الرؤية الاخراجية سوى ( الانتحار ) خلاصاً ذكورياً فالمرأة تذهب الى الطبيعة ( الأشجار ) لتكون قريناً حياتياً بديلاً لرحيل / الذكور / الرجال وكما يرد على لسان ( الحفيدة ) : " على النساء أن تتزوج الأشجار في بلادي فالرجال يموتون " .
ونسكت مسارات النسق الثقافي على ( أمثلة ) تاريخية فالأبناء نماذج ولقا وايقونات حياتية يحق لها الانحراف عن مسارات الآباء ( الجدة ) فالتاريخ الإنساني لدى المؤلف ( فنجان ) والمعد ( هندو ) يتراتب في مسار أفقي تراتبي ـ خطي ووفق رجل التاريخ ( آرنولد تونبي ) فإن الحياة موضع ( تحري واستجابة ) . وخطاب العرض في حتميته وجبريته . يتناص وما درجت عليه الاتجاهات الطبيعية مؤشرين مسرحية ( الأشباح ) لـ ( ابسن ) في ملاحقة أمراض الآباء وتواصلها صوب ( الأبناء ) ,
وفي مفهوم ( الخوارزميات ) تأتي النسقيات متناسلة ونسخة ( الأصل ) .
وحفل خطاب العرض بنسق صوتي مهيمن ما أفقده تشكلات صوراً مسرحية فالحوار دالة مركزية في إنتاج ( معنى ) العرض . وفي هذا الشأن نجد أن الأداء الصوتي لنص الموسيقى لـ ( مهدي هندو ) في التعبير الحسي ما يناضر الحوارات المأزومة للشخوص . فكان للموسيقى حضور تعبيري وبنائي في إنتاج مقاطع عبر التأليف الموسيقي لـ ( هندو ) وخاصة في مقطوعة الزفاف فكانت الآلات الموسيقية العراقية المحلية إيحاءات تتواصل ونصوص الصوفية ما أتاح تواصلاً إشكالياً بين الفرحة والغصة التي تنتظر حياة الأزواج ولا نجد مسوغاً بعد ذلك ما تناص به النص الموسيقي ـ الصوتي مع مقاطع حسية وشجية للراحل ( داخل حسن ) فالـ ( هندو ) من القدرات التأليفية التي تعبر عن مواقف إنسانية متنوعة .
وأتت علامة ( الأزياء ) لـ ( غسان الربيعي ) في إحالات ومداليل الحياة اليومية دون إضافة جمالية أو أسلبة تفعيلية أو لونية تعبر وتتقاطع مع ذائقة الأجيال الثلاثة ( الجدة / الأم / الحفيدة ) ما نمّط العلامة في المشاع الملبسي في محمولات شخوص ( الجندي / العاشق الشبح) .
وتناصفت اضاءة ( فائز عبد الحسين ) بين الماضي والحاضر في جهوية عملت على تشطير فضاء المسرح الى لونية سائدة فكان يسار المسرح معنياً بالماضي وما يحمله من دلالات يقابل يمين المسرح موضع تمركز ( الجدة ) الحاضر . إذ لم نشهد تداولاً لونياً مختلفاً لكلا الظرفين .
وأتت الأداءات التمثيلية موقوفة في مسايرة الأجيال وفجواتها التاريخية . فالحتم الأدائي للجدة الفنانة ( رجاء تركي ) ألزمها بأبعاد حسية وحركية وملبسية إذ تتعدى الاستدعاءات للأحداث والشخوص في ذاكرتها إلا أنها لم تمايز الفواصل الزمنية بين الابنة والحفيدة والزوج . فكانت في أعلى مستويات الأداء في أولى الاستدعاءات ليتم تكرار عدتها الصوتية والجسدية والحسية فيما أتت في أحداث وشخوص لاحقة . وغلب على أداء الفنانة ( رجاء تركي ) أحادية حسية تتقدم بها علامات الميلودرامي والشجن والعتمة على مستويات الضبط الحسي والحركي مسايرة قتامة الشخصية ذاتها .
واحتفظ الفنان ( جاسم أبو فياض ) بمعادلة الأبعاد التقليدية في الشخصية النمطية (الجندي ) إذ لم يتح له تفعيل اداءه لما تحمله الشخصية ذاتها في انغلاق نمطي . إلا أنه في موازات الزوجة ( رجاء تركي ) امتلك تعادلاً سوسيو ـ طبيعياً .
وعمدت الفنانة ( أسيل حسين ) في دور ( الأم ) الى مقتضيات الشخصية بكل منحدراتها الشعورية من حركة وصوت وتموضع مكاني .
أما الفنانة ( بان عدنان ) فقد تناظرت مع دورها ( الحفيدة ) بكل مستويات الإقبال على الحياة وتنوعت أداءها وفقاً للمواقف وطبائعها . فهي في دور الزوجة غيرها ودور الحفيدة . ولعل مشهدية الانتحار دالة واضحة على مسارها الأدائي المتنوع .
وأتى أداء الفنان ( محسن حميد الأزرق ) في دور ( عازف الليل ) في محدودية الشخصية ومنسوبها الشعوري في مراحله الأولى متحولاً الى مقاتل ما شهد له تبايناً شعورياً وحركياً.