الارشيف / عالم المرأة / أخبار المرأة

النساء في المجال العام... الثورة الناعمة

  • 1/2
  • 2/2

أتت مشاركة النساء كفاعلات وناشطات في الحراك العربي (مصر، اليمن، تونس، سورية، ليبيا، المغرب، البحرين) لتؤكد دينامية الصوت الأنثوي في المجال العام الذي كان حكراً على الذكور، لكن وجود المرأة في الحراك الميداني قابله تهميش لها داخل مواقع القرار بعد الاستقرار النسبي وإثر النتائج السياسية التي أفرزتها انتخابات ما بعد الثورات.
يستمد تهميش النساء في المجال العام جذوره ومكوِّناته _ رغم دخولهن النسبي الى الميادين كافة خصوصاً الميديا_ من عدة معطيات بينها: بناء علاقات النوع الاجتماعي على ثنائية العام والخاص لا سيما على مستوى التشكلات البنيوية للمجتمعات؛ عمل النظام البطركي على إستبعاد النساء عن دوائر صنع القرار؛ مساهمة بعض أنماط العمل غير الرسمية الموجودة في العوالم السياسية والمهنية والنقابية والخيرية في الإبقاء على الرجال داخل المراكز الحساسة؛ ترسب الفصل بين المؤنث/ خاص _ المذكر/ عام في عمليات التحديث والدمقرطة المؤسسية التي عرفتها مختلف المجتمعات العربية ما أعاق تثمير اعترافها بالمساواة في الحقوق بين الجنسين.
إن مشاركة النساء في الثورات العربية ليست نتاج اللحظة التاريخية الراهنة فهي نتيجة تضافر جملة من عوامل، أولها، الوعي النسائي الذي تبلور مع ظهور الحركات النِّسوية؛ ثانيها، الاختلاط بين الجنسين في الجامعات والمدارس (ليس في كل الدول العربية)؛ ثالثها، العمل الحزبي والحراك السياسي، ما أدى الى إكتشاف المرأة لذاتها.
تاريخياً شاركت النساء العربيات في الثورات ضد الاستعمار. في تونس على سبيل المثال قامت المنظمات النسائية في الأربعينيات بمسيرة إحتجاجية ضد الاحتلال الفرنسي للبلاد، وكذلك في مصر كان للمرأة دور ريادي في مقاومة الاحتلال الانكليزي، فخرجت العام 1919 للمطالبة باستقلال مصر وتصدرت صفية سعد زغلول التي لُقبت بـ "أم المصريين" وهدى شعراوي الحراك النسائي.
أعطى دخول النساء الى ساحات الاعتراض للثورات الهادرة بعداً مواطنياً/ حقوقياً، وقد تميز الحراك النسائي الثوري في المجال العام بتوافر أنموذجين: الاختلاط والفصل. في مصر وسورية وتونس شاركت النساء الى جانب الرجال في الثورة، أما في اليمن اختلف الوضع؛ انفصلت النساء عن الرجال، وإن اختلطن معهم أحياناً، علماً أن سورية أيضاً وقبل دخولها في مرحلة الصراع العسكري، شهدت أيضاً حراكاً نسائياً بحتاً، ومن المهم أن نعرف أن أول تحرك نسائي خالص نظمته الداعية الدينية حنان لحام، المنتسبة الى جماعة اللاعنف التي يقودها رجل الدين جودت سعيد.
قادت المرأة اليمنية ثورتها من وراء الحجاب والنقاب مع مراعاة صارمة للتقاليد الاجتماعية اليمنية، وفي المدن اليمنية الثائرة امتزجت أصوات النساء مع أصوات الرجال، وفي أوقات كثيرة أصغى الرجال لهتافاتهن ورددوا شعاراتهن المطالبة بإسقاط النظام. ليس من السهل على المجتمع اليمني الذي يحتل فيه الدين والقبيلة موقع الصدارة أن يتقبل مشاركة نسائه في الاحتجاج، ربما إرث بلقيس ما زال حاضراً في الذاكرة الجمعية.
لقد فوجئ النظام اليمني السابق بدخول اليمنيات ساحات الاحتجاج، ما دفعه الى اعتماد لغة أخرى من القمع، النيل من شرفهن والتشهير بهن، فالرئيس المخلوع علي عبد الله صالح وخلال خطابه يوم الجمعة 15 نيسان/ أبريل 2011 أصدر فتوى تمنع "الاختلاط" بين الرجال والنساء بدعوى أن الشرع لا يقره. لكن آلاف النساء خرجن في مسيرات حاشدة في اليوم التالي في محافظات صنعاء وعدن وتعز وإب وذمار وحجة والجوف ولحج والحديدة ومدن أخرى، احتجاجاً على إساءة صالح لسمعتهن ومحاولة النيل من شرفهن بكلمته عن منع الاختلاط بين المتظاهرين الذين يطالبون بتنحيه. وكانت وسائل إعلام النظام قد تولت منذ بداية الثورة، قذف المرأة، والتشهير بوجودها في الساحات، وقد تعرض بعض النساء الى القمع البدني والعنف اللفظي، ورمي قنابل الغاز على مسيراتهن، والمطاردة والتعقب في الشوارع والأزقة.
في سورية بدأت المرأة بتنظيم التظاهرات المطلبية، وقد اقتصرت بعض التحركات على النساء فقط، كتظاهرة "بيان الحليب" التي كانت وراءها مجموعة من النساء الناشطات. وفي هذا السياق تقول الناشطة السورية خولة دنيا في حوار أجريته معها "إن مشاركة النساء السوريات اتخذت أشكالاً مختلفة والأهمّ فيها الجانب الانساني، وقد لاحظنا تشكُّل مجموعات مثل "أيام الحرية" و"النضال السلمي" تحتلّ فيها النساء مواقع مهمة، وقد شاركن في الحراك السلمي وتعرضن إما للتحقيق من الأجهزة الأمنية أو الملاحقة والاعتقال على خلفية نشاطهن المدني. بعض النساء اعتُقلن على خلفية الكتابة على الجدران، وأخريات لأنهن طالبن بالاصلاح. وهناك ناشطات تم اعتقالهن خلال تظاهرة "القمصان البيض" في دمشق، كان ذلك في بداية الثورة، وفي ذلك الوقت اعتقلت السلطات الأمنية 50 شاباً وشابة. ومع تطوُّر الأحداث ولا سيما في حمص، انتقلت التظاهرات من طابعها المدني الى الطابع الشعبي وقد شارك الجميع من نساء ورجال". النقلة النوعية في الثورة السورية التي أحدثت تطوراً في أدوار النساء أتى بعد العسكرة، وبشكل بديهي لم يكن للمرأة دور في القتال المباشر، حيث إنخرطت النساء الناشطات في العمل الإغاثي وأصبحن كما تصفهن دنيا "حاضنة اجتماعية لغالبية المناطق التي وقع فيها الصراع المسلح" وتضيف دنيا "بعد أحداث حمص وبابا عمرو والارتفاع الملحوظ في أعداد القتلى من الرجال فرضت على النساء أدوار جديدة، حتى لدى الفئات المحافظة، وأصبحن يقمن بمهمات لها علاقة بالتواصل أي ما نسميه التشبيك مع مجموعات أخرى والدعم الاجتماعي الذي تُعتبر النساء قاعدته الشعبية الأساسية".
الى ذلك أشار تقرير حقوقي صادر عن "مركز أولاد الأرض لحقوق الإنسان" أنّ هناك ارتفاعاً حادّاً في العنف ضدّ المرأة في مصر بعد الثورة، وشكّل العنف الأسري النسبة الأكبر، وقد بلغت نسبة حوادث القتل على خلفية جرائم الشرف 59.4% من إجمالي حوادث العنف في ستة أشهر، ثمّ يأتي الاغتصاب في المرتبة الثانية بنسبة 20% بسبب الانفلات الأمني.
وا يمكن أن ننسى ما تعرضت له بعض الناشطات المصريات بعد إجبارهن على إجراء فحوص العذرية بدعوى الاجراء الروتيني لحماية قوات الجيش من تهمة الإدعاء عليهن بالاغتصاب. وبصرف عن حيثيات القضية تعكس هذه الحادثة حدة التعصب الجنسي الذي تواجهه النساء خلال الانتفاضات، وتعكس مستوى العنف الذكوري السائد في المجتمعات العربية، إذ ثمة تماثل بين حراك المرأة في المجال العام وغشاء البكارة، لذا نُظر الى الناشطات بدءاً من تونس وصولاً الى آخر محطات الربيع العربي، باعتبارهن إناثاً وليس مواطنات. وفي قراءتها لهذه الظاهرة القديمة/ الجديدة خلصت الباحثة اللبنانية عزة شرارة بيضون الى أن النساء المعرضات للتعصّب جنسي، سواء بوجهه "الخيري/ الحمائي" (benevolent sexism) أو "العدائي" (hostile sexism) جرى إبرازهن والتعامل معهن، بوصفهن إناثاً.

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى