تزوجت الفلسطينية نانسي انجاص قبل ثماني سنوات، وأنجبت ثلاثة أطفال أصغرهم في الخامسة من عمره، وفي العامين الأخيرين كانت تشتكي لعائلتها من اعتداءات زوجها المتكررة، وكان الحل دائما بإعادتها إلى بيت الزوجية، إلى أن وجدت مقتولة خنقا على يد زوجها مساء الاثنين الماضي في مخيم قلنديا جنوب رام الله.
ومثلت حادثة مقتل نانسي انجاص (29 عاما) صدمة في الشارع الفلسطيني بسبب تصاعد حوادث قتل النساء تحديدا في الأشهر الأخيرة، وكذلك ارتفاع حالات القتل والانتحار عامة.
وقال سعيد انجاص -قريب القتيلة- إن زوجها غافلها وخنقها بينما كانت تقوم بأعمال منزلية بدون مشادات كلامية، ثم سلّم نفسه للشرطة في رام الله فورا.
وأضاف سعيد للجزيرة نت أن الزوج -وهو في الثلاثينيات من عمره- كان يعاني من مشاكل نفسية استدعت تدخلا علاجيا في الآونة الأخيرة بسبب حالة الفقر والبطالة التي يعيشها.
وقبل أيام قُتلت المعلمة صابرين عياد طعنا على يد طليقها أمام المحكمة الشرعية في بلدة بيرزيت شمال رام الله، حيث توجهت للتنازل عن مطلبها بتوفير نفقة من طليقها لأطفالها الخمسة، في حين قتلت قبل أسابيع الفتاة صفاء السلامين واعتدى الجاني على شقيقتها جنوب الخليل.
ظاهرة
وقال بيان صادر عن منتدى المنظمات الأهلية لمناهضة العنف ضد النساء "إن قتل النساء أصبح ظاهرة، وإن الضحايا لسن مجرد أرقام، بل كل واحدة منهن إنسانة لها حياتها وأحلامها الإنسانية التي تكسرت على أيدي من يمارس العنف ضدهن".
وحسب طاقم شؤون المرأة الفلسطينية فإن 14 امرأة وفتاة قتلن في الأشهر الأربعة الماضية، بينما قتلت 28 امرأة في العام 2013 تحت ذرائع مختلفة أبرزها على خلفية ما يسمى "شرف العائلة".
وإزاء تلك الحالة نفذ عشرات النشطاء الاجتماعيين والحقوقيين إضرابا أمام مقر الرئاسة الفلسطينية في رام الله ظهر أمس للمطالبة بتوفير الإرادة السياسية لوقف جرائم القتل في المجتمع الفلسطيني.
وكانت المسؤولة في المبادرة الفلسطينية لتعميق الحوار "مفتاح" نجوى ياغي تعبر بغضب في مظاهرة بعنوان "طفح الكيل"، وقالت إن عددا كبيرا من المؤسسات تعمل في المجتمع الفلسطيني على تغيير المفاهيم حيال ثقافة القتل والعنف ضد المرأة، ولكن بتأثير محدود جدا على صعيد تغيير السياسات والتشريعيات، داعية الحكومة إلى "الإقرار بخطورة الوضع والوقوف عند مسؤولياتها".
وذكرت نجوى أن معظم حوادث القتل "تتم بسبب الفقر وتدهور الأوضاع المعيشية، وسجلت مؤخرا حالات انتحار للسبب ذاته". وقالت "إن الفقراء في المجتمع الفلسطيني يعيشون في عزلة اجتماعية بدون تدخل لحمايتهم، بينما تتمسك السلطات بقانون قديم جدا لا يردع أي جانٍ قد يقتل على أي خلفية".
التشريع
يذكر أن قانون العقوبات الأردني لعام 1960 هو المعمول به في السلطة الفلسطينية، ويرى حقوقيون أن نصوصه تتضمن أعذارا مخففة للعقاب وتشكل مخرجا للقتلة.
ويرى المسؤول بوحدة التحقيق في القضاء الشرعي خالد ناصيف إن قانون العقوبات بحاجة إلى تغيير، و"لا تتوفر الإرادة السياسية لتغييره بسبب غياب المجلس التشريعي وعدم وضوح خطة تشريعية لإصلاح القوانين"، مضيفا أن "الوضع الفلسطيني عالق سياسيا ويعكس نفسه على الوضع الاجتماعي".
وأضاف ناصيف أن "الضغط الاقتصادي والاجتماعي وتعثر الأفق السياسي تشكل أسبابا للإحباط في المجتمع الفلسطيني، ويلجأ الكثيرون إلى التعبير عنه من خلال القتل".
وترصد المسؤولة بطاقم شؤون المرأة لبنى الأشقر حالات قتل بين الأقارب، وحالات انتحار أو تعذيب حتى الموت في ظل "انعدام رادع قانوني". وتقول إن المؤسسات المجتمعية "تحاول التغيير على أكثر من صعيد، وخاصة بالضغط على الحكومة والمجلس التشريعي، وتطالب الرئيس بالإجابة عن سبب تأخر المصادقة على مسودة قانون العقوبات المعدل".
وكانت مؤسسات مجتمعية وفصائل وأعضاء في اللجنة التنفيذية قد اشتغلوا مع لجنة تقودها وزارة العدل الفلسطينية على تعديل قانون العقوبات، وقدموا مسودة قانون عقوبات فلسطيني جديد للرئيس منذ بداية العام الجاري، إلا أن المصادقة عليه ما زالت عالقة.