الارشيف / عالم المرأة / أخبار المرأة

صدى الكلمات

  • 1/2
  • 2/2

للكلمة تأثير كالسحر حين تقع على مسمع من يستوعب معناها ويدركه ،ويتمعن في صداها وتأثيرها ،وكم من كلمة واحدة اختزلت القصص والحكايات التي تداولت بين العامة وتأثر بها الكثيرون ،وكم هي الأصداء التي تبلغ أقاصي الكون بطيبها وتكون أجملها تلك التي تنبع من القلب بصدق وشفافية مرهفه ،وأكثرها صدى التي تقال بحق صاحبها ،ويقال دائما "الكلام صفة المتكلم" فكل كلمة مسئولة،وما يصدر من كلمات من الآخرين سواء أكان عنوان مقال صحفي ،أو مجلد أو كتاب أو صفحة عابرة بكتاب معين يجذبك تعكس شخصية صاحبها وكاتبها بانتقائه للكلمة المختارة سواء كلمة جميلة
أم قبيحة فلها تأثيرها في النفس وصداها في النفس ،لهذا تخصص بعض الإعلاميين في اختيار عناوين الصحف لتجذب القراء،لا سيما وأن المهنية في اختيار العناوين للأخبار التي تبث عبر وسائل الإعلام تشكل محركا فكريا وموجها للرأي العام ،لهذا فالكلمة مسئولة ويجب أن تخرج في مكانها وتوجه بوقتها ،وقيل أثنين لا يرجعان الكلمة والرصاصة لأنهما إذا خرجتا أصابتا هدفا معينا قد يكون له صدى إيجابي أو سلبي ،وقد تشعل ثورة ،وقيل في إحدى القصص المروية أن نداء إغاثة وصل إلى الخليفة المعتصم بالله ! حين خرج توفيل بن ميخايل ملك الروم إلى بلاد المسلمين في سنة ثلاث
و عشرين و مائتين للهجرة , و أوقع بأهل زبطرة و غيرها ، و يقال : قتل من بها من رجال و سبى الذرية و النساء ، و أغار على أهل ملطية و غيرها من حصون المسلمين , و سبى المسلمات , و مثل بمن صار في يده من المسلمين و سمل أعينهم , و قطع أنوفهم و آذانهم ،فبلغ الخبر المعتصم فاستعظمه و كبر لديه ، و بلغه أيضاً أن امرأة هاشمية صاحت و هي أسيرة في يد الروم : واااا معتصماه ! فأجابها و هو جالس على سريره : لبيك لبيك ! و نهض من ساعته , و صاح في قصره : النفير النفير ،ثم ركب دابته , و سمّط خلفه حقيبة فيها زاده , فلم يمكنه المسير إلا بعد التعبئة , و جمع العساكر , فجلس في دار
العامة و أحضر قاضي بغداد و آخرين من أهل العدل , فأشهدهم على ماله فجعل ثلثاً لولده و ثلثاً لله تعالى و ثلثاً لمواليه ،ثم سار فعسكر بغربي دجلة لليلتين خلتا من جمادى الأولى ووجه مجموعة من قواده إلى زبطرة معونة لأهلها ، فوجدوا ملك الروم قد أنصرف عنها إلى بلاده , بعدما فعل ما فعل , فوقفوا حتى تراجع الناس إلى قراهم و اطمأنوا .
فلما ظفر المعتصم ببابك قال : أي بلاد الروم أمنع و أحصن ؟ فقيل : عمورية , لم يتعرض لها أحد منذ كان الإسلام , و هي عين النصرانية , و هي أشرف عندهم من القسطنطينية . فسار المعتصم إليها و قيل : كان مسيره في سنة اثنين و عشرين، و قيل : أربعة و عشرين ، و تجهز جهازاً لم بتجهزه خليفة قبله قط من السلاح , و العدة و الآلة , غيرها ،و لما علم بذلك الروم فقالوا : و الله إنا لنروي أنه لا يفتحها إلا أولاد الزنا ! و إن هؤلاء أقاموا إلى زمان التين و العنب لا يفلت منهم أحداً ! فبلغ ذلك المعتصم فقال : أما "إلى وقت التين و العنب " فأرجو أن ينصرني الله قبل ذلك , و أما" أن
يفتحها أولاد الزنا " فما أريد أكثر ممن معي منهم ،فجهز جيشه و أعد عدده و خرج للغزو .
و يقال : لما نزل المعتصم على عمورية هجم الشتاء , فأرسل إليه أهلها أن عمورية لا تفتح إلا بعد نضج التين و العنب ،و يقال : أن بعض من كان بعمورية من الرهبان قال : إنا نجد في كتبنا أنه لا يفتح عمورية إلا ملك يغرس في ظهرها التين و الكرم , و يقيم حتى تثمر , فأمر المعتصم بأن يغرس التين و الكرم فكان فتحها قبل ذلك .
وكما روى تاريخيا بأن المعتصم تجهز جهازاً لم بتجهزه خليفة قط من السلاح و العدد , و توجه إلى بلاد الروم ، فأقام عند نهر اللميس فيها،و هو عند سلوقية قريباً من البحر و أراد المعتصم أن يوقع الرعب في قلوب الروم قبل أن يصل إلى عمورية و لهذاّ دبّر النزول على أنقرة ، فإذا فتحها الله عليه صار إلى عمورية ، إذ لم يكن مما يقصد له في بلاد الروم أعظم من هاتين المدينتين , و الأحرى أن تجعل غايته التي يؤمها ،و تمكن من تدمير أنقرة وأسر جنودها و قتل فرسانها و سبي نسائها ثم جعل العسكر ثلاث عساكر ميمنة و ميسرة و قلب و أمر كل عسكر أن يكون له ميمنة و ميسرة و
أمرهم أن يحرقوا القرى و يخربوها و يأخذوا من لحقوا فيها ففعلوا حتى وافوا عمورية، و داروا حولها و قام المعتصم بتقسيم عمورية بين قواده ، و جعل لكل منهم أبراجا منها على قدر أصحابه ، و علم أن موقعا من المدينة وقع سوره من سيل قد أتاه , فبني وجهه بالأحجار و لم يدعم ما وراءه فرأى المعتصم ذلك المكان فأمر فضربت له خيمة هناك و نصب المجانيق على ذلك الموضع ، فانفرج السور عن ذلك الموضع و اندفع المسلمون و هم يكبرون ، و تفرقت الروم عن أماكنها و قد غلبهم الرعب فجعل المسلمون يقتلونهم في كل مكان حيث وجدوهم , و أخذ المسلمون من عمورية أموالاً لا تعد و لا
توصف , فحملوا منها ما أمكن حمله , و أمر المعتصم بتهديم أبراجها , و إحراق ما بقي منها , و إحراق ما بقي من المجانيق و الآلات كي لا يتقوى بها الروم على شيء من حرب المسلمين , و كانت إقامته في عمورية خمسة و عشرين يوماً لا غير.
قرأنا كيف كان تأثير الكلمة على المعتصم بالله الذي كان هانئا بمرقده فلبى نداء امرأة وصله نداءها وتفصله عنها آلاف الكيلو مترات من المسافات لكن الكلمة كانت لها وقع كبير في نفسه وكانت قصة عمورية إحدى المناهج العسكرية التي تدرس في كبريات المعاهد العسكرية حول العالم لما فيها من دروس وعبر عسكرية تفيد الباحثين عن النصر والمجد والشهادة في سبيل الله الذين يخدمون الإنسانية والدين في كل زمان ومكان .

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى