منذ ثورة 25 يناير تتصدر مصر ونموذجها الاعلام السياسي والاجتماعي عربيا ودوليا،وربما ما يحدث في مصر من تقلبات وتحولات سريعة ومفاجئة وربما غير متوقعة في بعض الاحيان ومتشائمة في احيان اخرى تجعل سياسي العالم بحالة من الترقب ابعدتهم في هذه الاوقات عن التدخل في شأنها الداخلي وانتظار القادم لبحث سيناريوهات ما بعد التحول الانتخابي..
ان صورة مصر تعيدنا الى نماذج تاريخية اجتاحت اوروبا في العصور الوسطى،حالة من الصراع ما بين الجهل والرغبة في اطلاق عنان الروح،صراع بين واقع يعيش الفلتان بكافة انواعه السياسي والاجتماعي والاقتصادي،صراع ما بين الهدف الاسمى في الغاء نموذج دكتاتوري سيئ عاش اربعون عاما هو شبيه بالاستعمار البريطاني ولكنه بصبغة وطنية وحزب وطني تربع على عرش مصر وشموخها فحولها من نموذج للاستقلال الى قطيع من البشر يعيشون الفقر وينثرونه حالة من التبعية والخوف والجبن الممنهج والمغلف بالحاجة والصمت والغليان كأنه السخرة المنمقة تحت شعار شعوب تبحث عن المستقبل في واقع افتقر ماضيه لشعاع امل.....
ان مطلب الديمقراطية كنموذج وشعار للحريات لا يعني الغاء قرون الدكتاتورية التي عاشت في جينات الشعوب العربية وورثت كأنها بطاقة هوية تعريفية لبصمة عربي،وبالتالي فأن خيار التغيير يتطلب تهجين الجينات وتعديل مسارها واقحامها بعلاج كيماوي يبيدها ويؤسس عليها النقيض الذي يتسلل الى ذهن الشعوب ويحولهم من حالة سبقت الى حالت لاحقة.
وعليه فأن مصر وازمتها السياسية هي نتاج لمورثها الجيناتي الدكتاتوري الذي وفي لحظة من اللحظات وفي حالة الاقتحام المباشر نتيجة تغلل المرض العضال في جينات شعبها انطلقت الثورة المصرية التي حاولت وللحظة الاولى استنفار الجسم المصري كردة فعل على هذا التغلل وبالتالي كانت وسيلة الدفاع الاولى هي الهجوم على مصدر المرض وهو النظام الدكتاتوري وانهائه ولكن؟؟؟؟؟؟؟
ان قضية انهاء الدكتاتور لاتعني في كثير من الاحيان الشفاء من المرض ،لان الحالة العضالية المزمنة والمتأججة استطاعت وعلى مدار اربعة قرون التفشي في الجسم المصري، وبالتالي فان الحالة الهجومية والتي هي بالاساس دفاعية للنجاة من كهولة هذا الجسم وشحناته القاتلة والتي ظهرت بصورة الثورة ولربما هي ليست كذلك لان مقوماتها كثورة لم تكتمل واستطيع ان اطلق عليها مصطلح انتفاضة الجسم على الحالة العضالية دون مأسسة او خيار ممنهج للخروج من بداية الموت السريري.
الانتفاضة المصرية والتي لم ترتق الى مكانة الثورة هي التي اوصلت مصر الى هذا النفق الاسود المظلم جدا لدرجة كانت جميع التحليلات السياسية بما فيها تصريحات للسيسي تدور حول الحاجة الى عشر سنوات لاعادة مصر الى الحالة السابقة اي حالة ما قبل 25 يناير،وهنا يطرح السؤال الاول في مقالنا هذا، هل ستهمش مصر خارجيا على المستوى العربي والدولي لمدة عشر سنوات؟وهل ستمارس الدكتاتورية من جديد لاعادة الامن والاستقرار في مصر نتيجة الفهم المغلوط للديمقراطية والتي حولت مصر الى دولة غير امنة ومباحة داخليا وخارجيا؟هل النموذج المصري في الثورات قد كشفت عورته وظهر الذي كنا نرفض الاعتراف به من عضال متعدد الاقطاب اساسه الجهل والفقر والفساد الذي اصبح منظومة ثقافية يمارس تحت عناوين مختلفة منها الاحزاب ومنها الاقتصاد ومنها التشهير والقدح والذم في كل ما يصور على انه وطني او غير ذلك؟؟؟؟؟
وطني مصري او تابع لاجندات اخرى،اسرائيل او امريكا او قطر او روسيا او غير ذلك، المعادلة انك خرجت من دائرتك المصرية لتعود لمربع الدكتاتور الفاسد بصوره المختلفة والذي بدوره ورث تسعين مليون مصري هذه الجينات التي تنقلنا الى حالة الفلتان الامني والسياسي والاجتماعي والاقتصادي.
ان عدم قدرة المصريين على فرز الاهداف بصورة تتعارض مع الثقافة الموروثة والتي كشفت اصالتها بعد الثورة وعرت السوس الذي ينخر مصر والمجتمع المصري ،سجعل مصر مباحة خارجيا وداخليا وسيجعل فرصة تحقيق اهداف الثورة اكثر تعقيدا وستتحول مصر الى كنتونات عسكرية لحفظ الامن ،وبالتالي نموذج القائد المدني في الفترة الحالية لن يحقق لمصر غير الفلتان واللااستقرار.