يُفترض أن تكون قضايا المرأة من القضايا الهامة والأساسية في أجندات أيّ من المرشحين، سواء لمنصب رئاسة الجمهورية أم البرلمان أو سواها من مناصب تعمل على تطوير المجتمع والنهوض به من مستنقع الأزمات والتخلّف، على اعتبار أن المرأة كما هو معلوم تشكّل نصف المجتمع وتعمل على تربية جميع أبنائه الذين ما إن يكبر الذكور منهم حتى يتنصلوا من كامل واجباتهم ومسؤولياتهم تجاهها، بل ويعملون على تعميق اضطهادها، بتعزيز النظرة الدونية إليها وتكريس تبعيتها للرجل اجتماعياً وقانونياً، ولا يمكن لأحد أن يتجاهل أو يتغافل عن تحمّل المرأة السورية في الداخل والخارج لجميع أعباء الأزمة التي عصفت وما زالت تعصف بالبلد والمجتمع، ومن هنا يجب أن تكون قضاياها من أولويات التغيير في السياسات الحكومية المقبلة.
صحيح أنه في السنوات القليلة الماضية جرى العمل على تعديل بعض المواد القانونية الجائرة بحق المرأة في قانون العقوبات السوري كالمادة 548 التي عُدّلت بالمرسوم التشريعي رقم 1 لعام2011 وسبق تعديلها بالمرسوم رقم 37 لعام 2009 وصارت تنص على ألاّ تقل عقوبة القتل بذريعة الشرف عن الحبس مدة خمس سنوات.
وكذلك الأمر مع المادة 508 في الفقرة 1 التي عُدّلت بالمرسوم التشريعي رقم 1 لعام 2011 إذ أصبحت عقوبة المجرم الحبس مدة سنتين على الأقل حتى وإن تزوج من ضحيته زواجاً صحيحاً.
كما رُفع سن الحضانة في عام 2003 إلى الخامسة عشرة للفتاة والثالثة عشرة للذكر. إضافة إلى بعض التعاميم المؤقتة التي تناولت بعض الإشكاليات الصعبة في حياة المرأة، كتعميم وزارة التعليم العالي لعام 2009 الذي سمح لأبناء المواطنات السوريات المقيمات في الجمهورية العربية السورية، المتزوجات من غير السوريين أو من في حكمهم، الحاصلين على الشهادة الثانوية العامة السورية عام 2009 التسجيل مباشرة في الجامعات والمعاهد للعام الدراسي 2009/ 2010 ومعاملتهم من حيث الرسوم معاملة الطلاب السوريين في المفاضلة العامة.
وكذلك تعميم وزير العدل رقم 62 الذي سمح بموجبه للمرأة الحاضنة بفتح حساب مصرفي باسم المحضون، ونقله من روضة أو مدرسة إلى أخرى دون أخذ الإذن من ولي المحضون.
إضافة إلى المرسوم رقم 7 لعام 2011 الذي جاء مصدقاً للمرسوم رقم 76 لعام 2010 حول مسائل الإرث والوصية الخاص بالطوائف الأرثوذكسية، فقد اعتُبر أول مرسوم يعتمد DNA في تحديد النسب واكتسابه الدرجة القطعية في حال الشك بنسب المولود، إضافة إلى المساواة بين المرأة والرجل في قضايا أخرى كالميراث وسواها، فجعل البنت قاطعة للميراث كما الصبي في المادة 11 ،3 لكنه للأسف انحصر بالطوائف الأرثوذكسية دون الآخرين، وهذا ما يُعدُّ تمييزاً على أساس الدين بين المواطنين الذين قال الدستور بمساواتهم جميعاً في الحقوق والواجبات، وبالتالي يجب أن يشمل هذا المرسوم جميع مواطني سورية بلا استثناء.
لكن النقلة التي كانت نوعية، واستبشرنا بها خيراً هي إصدار القانون رقم 42 لعام 2003 القاضي بإحداث الهيئة السورية لشؤون الأسرة، إذ تهدف المادة 2 منه إلى تسريع عملية النهوض بواقع الأسرة السورية، وتمكينها بشكل أفضل، من خلال اقتراح تعديل التشريعات المتعلقة بشؤون الأسرة. وفعلاً قامت الهيئة بتقديم مشروع قانون للطفل، لكنه مازال حبيس الأدراج الصدئة حتى اليوم في مجلس الشعب. إضافة إلى قيامها ببعض البحوث والدراسات المتعلقة بالمرأة والشباب، لكنها لم تلقَ الصدى المطلوب على أرض الواقع، فبقيت مجرد حبر على ورق في مكتبات الهيئة وبعض المهتمين.
أيضاً، قرار رئاسة الوزراء في عام 2011 الذي قضى بدراسة تعديل المادة 3 من قانون الجنسية السورية، غير أن مجلس الشعب رفض مناقشة هذا التعديل، وبدل أن تقف النساء النائبات في البرلمان إلى جانب قضايا المرأة، لاسيما تلك المسألة الشائكة والمعقدة في حياة ألوف السوريات وأبنائهن، اتخذن الصمت خياراً قاتلاً لأولئك النسوة اللواتي مازلن يعشن هن وأبناؤهن شتى أنواع القلق والعذاب.
بعد ذلك قامت وزارة العدل في عام 2012 بتشكيل لجنة من المختصين من أجل تعديل القوانين التمييزية ضد المرأة، وقد أنهت هذه اللجنة عملها بعد عام من تشكيلها، وما زلنا ننتظر النتائج المرجوة.
بعد كل ما استعرضناه، نرى ضرورة ووجوب تناول هذه الإشكاليات من قبل المسؤولين أو المرشحين للرئاسة أو البرلمان، والعمل على إدراج قضايا المرأة العالقة في سلم أولوياتهم، وأهمها:
- الإسراع باستصدار نتائج عمل لجنة تعديل المواد التمييزية ضد المرأة في القوانين السورية كافة- وأهمها قانون الأحوال الشخصية- بما يجعل المرأة على قدم المساواة مع الرجل في تلك القوانين عملاً بالمساواة التي نادى بها الدستور.
- ضرورة إصدار صحيفة مدنية للمرأة السورية بدل تبعيتها المطلقة لذكور القبيلة لاسيما في حالات الطلاق أو عدم الزواج، وذلك من أجل الوصول إلى بعض الحقوق التي تفرض وجود البطاقة العائلية كمرتكز أساسي، مما يحرم الكثيرات من هذه الحقوق.
- رفع التحفظات السورية على بنود اتفاقية إلغاء كل أشكال التمييز ضدّ المرأة- سيداو- التي صادقت عليها بالمرسوم رقم 330 تاريخ 25 /9/ 2002 بما ينسجم وهذه الاتفاقية وروح الدستور من أجل الحفاظ على حقوق المرأة، وضرورة مساواتها مع الرجل لاسيما في القوانين والتشريعات التي تعجُّ بتمييز واضح وفاضح، لأن هذه التحفّظات قد أفرغت الاتفاقية من هدفها الأساسي، فاعتُبرت شكلاً آخر من أشكال التمييز ضدّ المرأة لأنها تعمّق وتُكرّس التمييز القائم أصلاً.
- إدراج الاغتصاب الزوجي ضمن المادتين 489- 490 من قانون العقوبات، كي نرتقي بالعلاقة الزوجية إلى مستويات أكثر إنسانية خاصة بالنسبة للمرأة.
- تشريع قانون أسرة يواكب جميع المتغيرات التي طالت جميع الأفراد، من أجل الوصول بالأسرة إلى مساواة ومكانة تليق بجميع أفرادها في المجتمع.
- الإسراع بسن قانون للطفل يحمي حقوقه استناداً إلى اتفاقية حقوق الطفل التي صادقت عليها سورية، وإلى مشروع القانون الذي تقدّمت به الهيئة السورية لشؤون الأسرة بدل بعض المواد المتعلقة بالطفل والمتناثرة في جميع القوانين السورية.
وفي إطار مطالبتنا بتعديل قوانين وتشريعات لتتوافق والاتفاقيات الدولية والدستور وروح العصر وإصدارها، يحضرني حديث الدكتور محمود عكام مفتي حلب وأستاذ قانون الأحوال الشخصية في جامعة حلب، في لقاء تلفزيوني معه بتاريخ 26/7/2011 قال فيه:
(نحن مسكونون بالخوف من كل تغيير وتعديل، وكأنه سيصيب قلب الإسلام... إن تعديل القانون يجب أن يتم وفق ثلاثة مبادئ أساسية: العدل، الرحمة، والاستجابة لمتطلبات الإنسان والعصر). وأضاف- وهذا مكمن الحكمة- (لا تخافوا على الإسلام من تعديل قانون الأحوال الشخصية، لأن الإسلام يريد للإنسان الرحمة والأمان، ولأن الإسلام يتحرك وفق بوصلة الإنسان). من هنا، نُطالب نحن السوريات بإدراج قضايانا وإشكالياتنا العالقة ضمن أجندات وبيانات جميع المرشحين سواء لمنصب رئاسة الجمهورية أو للبرلمان وسواه، من أجل رفع سوية جميع النساء وكفاءاتهن، لأنه من دون تغيير وضع النساء في المجتمع لا توجد ديمقراطية حقيقية في البلاد.