خرجت من قصرها لتجد نفسها في عالم مجنونْ
في غابة لا شرع فيها و لا ديانة و لا قانونْ
فيها أناس مجهولونْ
و بأنفسهم جداً معجبونْ
يظنون أنهم غير الناس مخلوقونْ
أو من كوكب غير الأرض آتونْ
و أفضل منهم بشراً لا يتخيلونْ
على أطلال ماضٍ منصرمٍ يعيشونْ
و بقسمة الله لا يرضونْ
على تاريخهم يتحسرونْ
و نعم الله لا يقدرونْ
يحملون الإثم و الظنونْ
حتى الخطاب و النقاش لا يفهمونْ
أو يفهمون كما يحلو لهم و يفسّرونْ
لا يقدّرون غيرهم و لا يحترمونْ
و غير صوتهم لا يسمعونْ
لم تدرك أهي الغريبة ؟ أم هم لا يفقهونْ ؟
فالتزمتْ الصمت و السكونْ
بين ضجيجٍ و صخبٍ و مجونْ
يبدون غير ما في قلوبهم يكنونْ
لباس التقوى أمام الناس يرتدونْ
و من داخلهم شيطانيونْ
يظهرون الحب و الود وهم كارهونْ
و بمصائب الناس يشمتونْ
على الأثرياء يحقدونْ
و في سكنهم و لباسهم يقلّدونْ
و بما أنفقوا دائماً يتباهونْ
وعلى خلق الله يتعالونْ
و يعشقون كثيراً أن يُمجَّدونْ
يعتقدون أن المال يملأ العيونْ
ينفقون ليقال عنهم مُكرِمونْ
لا يدركون أنهم مبذرون و مُسرفونْ
عندما ينفقون ما لا يملكونْ
و بالمنِّ و الأذى صدقاتهم يلحِقونْ
و بالهمجية و القبليّة يعيشونْ
كالبدو الرُّحل يتنقلونْ
بحلٍ و ترحالٍ على حالٍ لا يستقرونْ
بالصراخ و عالِ الصوت يتحدثونْ
و بالهروب مشاكلهم يحلّونْ
رجالهم بأحاديث النساء يتكلّمونْ
يقدّسون صاحب المال و يكرِمونْ
ويذلون الفقير الضعيف و ينهرونْ
حتى وإن كان أخاهم يهينونْ
يجعلونه خادماً و منه يهزؤونْ
متعجرفون .. متراؤون .. متكبرونْ
ليخفوا نقصهم دائماً غيرهم ينتقدونْ
الأدوية و العقاقير الغريبة يتعاطونْ
و على العيادات النفسية يتردّدونْ
و أشّك أنهم يتعاطوا الحشيش أو الأفيونْ
يجهلون أن الكلمة الطيبة ذوقٌ و فنونْ
همهم بطونهم كأنهم من الجوع يتضوّرونْ
يصبحون و يمسون يطبخون و يأكلونْ
و أضحوا في بيتها الطعام يبيعونْ
و كما يحلو لهم يغيرون فيه و يبدّلونْ
بقانون القوةِ و الإكراهِ يحكمونْ
باتوا بكل أمرٍ يتدخّلونْ
ليلهم و نهارهم يتهامسونْ
و إذا تحدّثت مع خليلاتها يغارونْ
و إن صمتت يتغامزون و يتلامزونْ
و لحديثها السمع يختلسونْ
و يفتّشون خلفها و يبحثونْ
و السر دائماً يفشونْ
و مهما فعلت يتذمّرونْ
يظنون بها كما بأنفسهم يظنونْ
و من الموبايل يضجرونْ
لأنهم التكنولوجيا لا يعرفونْ
كادوا أن يقودوها إلى الجنونْ
لولا أن عقلها موزونْ
و قد جُنَّ من قبلها ساكنونْ
فغادروا المكان و بدوا للشفاءِ يتماثلونْ
******
اهتمت بأشيائهم السخيفة لعلهم يُسعدونْ
تخلّت عن بعض أفكارها و مواقفها علَّهم يتقاربونْ
و تركتهم في سكنها يصولون و يجولونْ
و لكن أصبحوا الخطوط الحمر يتجاوزونْ
و بالمبادئ و القيم يعبثونْ
عفويتها و حيائها يخدشونْ
فهي لا تعرف الكذب، النفاق، و سوء الظنونْ
******
عاشت صراع، هل تبقى معهم و هم معقدّونْ ؟
أم تغادر ؟ فهذا زواجٌ غير ميمونْ
نظرت بعينٍ إيجابية لترى في الغابة جنّاتٍ و عيونْ
و عن النار و اللظى أغمضت الجفونْ
تفاءلت بأن حتى الوحوش يروَّضونْ
و الإنسان يهذّب بالعلم و الأدب و الفنونْ
قالت : سأبقى و الله أعلم ما تخبّئ السنونْ
حتى و إن غفوت كل ليلة على دمع العيونْ
و أُسلِّم أمري لربٍ لا ينسى مظلوم و لا محزونْ
******
و لكن لم و لن تستطيع العيش بلا محبّةٍ و قلب حنونْ
أو أن تغرق بما يغرقونْ
ذهبت البسمة و تبدّلت نظرة العيونْ
قالوا : اخترناكي لأنّكِ ممن يضحكون و يمرحونْ
قالت : لا أستطيع التلوّن كما تتلوّنونْ
و أنتم شعاع بسمتي و سعادتي تطفؤونْ
و أخترتكم لأني عهدتكم الطيبونْ
و اليوم عن أنيابكم تكشّرونْ
و أزعجهم سكوتها و هذا السكونْ
و ليتهم لغة الصمت يفهمونْ
و أصبحوا دائماً لديها يختصمّونْ
فعلى الصدق و الإستقامة لا يقوونْ
و ليست ممن للجميل ينكرونْ
فتقتل ما كان والديها يغرسونْ
من عزٍّ و كرامة و خُلقٍ مزيونْ
******
اختارت الصبر علَّهم إلى رُشدهم يعودونْ
فباتوا ينسجون حولها القصص و يفترونْ
و يقلبون الحقائق و دور المظلوم يمثّلونْ
و لُحرمات بيتها ينتهكونْ
فيعبثون و يسرقون و ينهبونْ
منافقون .. مخادعون .. محتالونْ
تركوها وحيدة لشهورٍ لا يسألونْ
و هم في جُحرهم مختبؤونْ
كأنهم لا يشعرون ! و ليسوا أمام الله عنها مسؤولونْ
و عادت لوطنٍ جريحٍ و أهله منكوبونْ
بما فعله هم و أمثالهم المجرمونْ
و كلما خاطَبَتهم بالحُسنى يقسونْ
يريدون كسر غصن الزيتونْ
******
ثمّ بعد ذلك أدركوا أنهم مخطئونْ
و أصبحوا لعودتها يتوقونْ
و أرسلوا الرُسل ليُصلِحونْ
و لكن .. عذراً .. فهم جداً متأخّرونْ
و أفعالهم مشينةٌ و كأنهم بالإسلام لا يدينونْ
فكان لا بدَّ للرد بالشرعِ و القانونْ
_ هل بعد ذلك يلومها اللائمونْ ؟ _
و هذا ما لم يكونوا يتصوّرونْ
فرسمت النهاية كما تشاءُ هي و ليس كما يشاؤونْ
و أدّوا لها الحقوق و هم مُكرهونْ
إلا أشيائها سرقوهم حيلةً فهم بها طامعون
******
و جاء الناس لها مواسونْ
قالت : بل بلاءٌ و دَعَوتُ ربّي أن يكشفونْ
فاستجاب فهنّئوني إن كنتم لي محبّونْ
عشت بشهورٍ ما يعيشه الناس لقرونْ
كانت تجربة غنيّة منها نستفيد و تستفيدونْ
زادتّني قوةً و إيماناً و تعلّمت دعاء ذا النونْ
فأُرسلت إلي ملائكةٌ منزّلونْ
و وجدت حولي الطيّبات و الطيّبونْ
و أخواتٌ كُثر كالأمِّ الحنونْ
و لسنا على قدرنا معترضونْ
و سنبقى للمعروف و الخير فاعلونْ
و إن كان أهله له منكرونْ
و ستعود البسمة لوجهي كما كنتم تعهدونْ
و لا يعنيني ما قالوا و ما سيقولونْ
من حججٍ واهيةٍ للناس يبررونْ
و الله أعلم بما يكتمونْ
و سيعود عليهم شر ما يفعلونْ
و نرى أي منقلب ينقلبونْ
******
و أكثر ما عَجِبَتْ ممن كانت تظنهم المقرّبونْ
تآلوا عليها و أدّعوا بأنهم كل شيء يعرفونْ
و كأنهم كانوا معها يشاهدون و يسمعونْ
قالت : ليتكم بقيتم صامتونْ
لنحفظ ودّاً نحن عليه حريصونْ
فهذه قضيتي، لماذا أنتم تتدخّلونْ ؟
ما لكم كيف تحكمونْ ؟
و لم تسمعوا مني حديثاً لتروونْ
و تَدَّعون كتاب الله تدرسون و تحفظونْ
ألم تقرأوا { وَ لَا تَعْضُلُوهُنَّ } بالمعروف عاشروهنْ
{ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ } و حقوقهن لا تأكلونْ
أم لأنّي صامتة و لست ممن بالأحاديث يلغوونْ
أصبحتم عني الروايات تؤلّفونْ
و أحاديثٌ تفترى تتداولونْ
فاليوم يبوحُ قلمي بأدبٍ فلست ممّن يتواقحونْ
أو يتكلمون بالسر و لا يُعلنونْ
و الأقاصيص المزيفة يعيدون و يكرّرونْ
فيزيدون فيها و ينقصونْ
و لا أخشى في الحق لوم اللائمونْ
******
عادت إلى مملكتها و تركتهم في غابتهم يسرحونْ
و لكلِّ ظالم نهايةٌ كما كانت نهاية فرعونْ
و كما قال ربنا { وَ يَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ }
و العبرة في الخواتيمِ كما يقولونْ
******
تلك فتاة تستحق لقصتها أن تصغونْ
كانت كعقدٍ من لؤلؤٍ مكنونْ
وقع بأيدي ظالم مجنونْ
و لكن الدر الأصيل بقي و سيبقى مصونْ
و الظلم ممحوقٌ إلى يوم يبعثونْ
و المتكبّرون عن رحمة ربهم مبعَدونْ
و على الصراط مُحالٌ أن يمرّونْ
فلا تبديل لسنَّة الله في الكونْ
******
هذه القصة رويناها لكم جداً مختصرونْ
ففي جعبتي الكثير و خشيت أن تملّونْ
و لم أذكر الأسماء كوني أحترم القانونْ
لكنكم جيداً بطلة الرواية تعرفونْ
فإن كنتم بالمزيد ترغبونْ
و تسمعون قصصاً لها قد تشيبونْ
و تشاهدون صوراً قد تصدقون أو لا تصدقونْ
و أحداثاً كالتي نشاهدها في التلفزيونْ
فسأقصّها عليكم من الألف إلى الياء مروراً بالنونْ
بمجلداتٍ مكتوبةٍ بماء العيونْ
و ليس في الحكاية إثمٌ .. هكذا علماؤنا يفتونْ
فإذا تحدّثنا عن ظالمٍ لا نُكتب مغتابونْ
******
وضعت العنوان صباحاً فأتاني مهتمّونْ
أشكر المارّون على حروفي و القارؤونْ
و أُسعد بالتعليق إن كنتم بسطوري معجبونْ
لست بأديبةٍ و لا شاعرةٍ و لكن أُحبُّ الكلام الموزونْ
و أعشق من الحركات السكونْ
رهف اللبني
13/5/2014