أَتذكرُ حين قايضَتْكَ عاهرةٌ على جسدِها؟ يومَها، أعَرْتَها الوقت طويلا لتنْزَعَ عنها مكرها، ظنّتْ أنها اصطادَتْك، أنها قادرةٌ على شراء رجل بلحظة شبق عابرة. تمدّدَتْ عاريةً لأجْلِك، سعيدة بانتصار دَنَسِها عليك، فبَصَقْتَ على جسدِها قارئا عليها تراتيل الاحتقار.
أَ تذكرُ حين قايضْتَ امرأة على قلبها؟ يومها فتَحَتْ لك باب الحب على مصراعيه، رتّلتْ على قلبِك قصائد العشاق، أخذتْكَ معها للخِدر حُلما بشوشا، غير قابل للموت.
وأنت الآن تقف أمام العاصفة، تُبصِرُ الوردةَ تطيرُ بعيدا، لا تَبْكِها، اِلْعَنْ أيّاماً تركْتَها فيها للبرد يلفحُها.
ما أدراك بندوب الوردة وأنت صانع الريح؟ هل ركِبْتَ الطاحون معها والعاصفةُ تضربُ المكان؟ هل رأيتَ النخلة تشدُّها والريح عاتية؟ هل فهمْتَ الآن أن تكون وردة تائهة في البراح؟
رائحة المطر سريعة الانتهاء، لولا التسكّع تحت تلك القطرات المتمرّدة. التصق الأريج فوق الطين يريد وقفة بين أحضان البلل. كان كلّ شيء منبئا باغتيال ربيعي للجفاف العاطفي، لكن هبوب الريح، وسقوط الوردة على أرض الصمت، يجعلنا نعتقد أنها تُغري التراب بالتناثر بين أصابعنا أخرساً.
لَفَظَ أبيضُ الورد أنفاسَه دُون مَطَرِيّة، لكنّها بقيت تحته تستمتعُ بلون السماء الرمادي، تركل الحصى بساقِها.
نقرُ القطرات يرتّب الأماكن في أذنيْها، يُتمتم بنهاية الغربة في بلاد العاصفة. ينام الماء خفيفا على سطح الذاكرة، يقطّر الأيام بين الفجوات، فيبلّل الفرح الذي يغفو.
كيف سَرَقَتْ من السماء سحابة؟ كيف عَصَرَتْها على صدرها؟ كيف انْتَهَكَتْ نواميس الحقيقة؟ كيف انفجرتْ ابتسامتُها فشقّت الوجه نصفين؟ هي العابرةُ تحت أفق يلُوك الغيم، قطّعت ما تبقّى من خيوط الشمس، لترتق بها ما تبقّى لها من أحلام، وطارت عكس اتجاه الريح، ترصُدُ المطر حيث لا يختبئ قلبُك الجافّ، ولا يداك الباردتان.