من مميزات عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله أنّه خص المرأة السعودية بالابتعاث للدراسة في كبريات الجامعات العالمية بمختلف التخصّصات، بعدما كانت قد تحصل على بعثة دراسية باعتبارها زوجة مبتعث، ولكن تواجه المبتعثة السعودية إشكالية كبرى، وهي اشتراط وزارة التعليم العالي مرافقة المحرم لها, وهذا الشرط كان ولا يزال سببًا في حرمان الكثيرات من حقهن في الابتعاث لعدم وجود محارم لديهن، أو عدم موافقة الأب، أو الأخ، أو الزوج السفر معها كمرافق، ويُعطل أعماله من جهة، ولحاجة أسرته وجوده معها من جهة أخرى، وإن وافق الزوج مرافقتها، فهناك من الأزواج من يمارسون ابتزازًا وعُنفًا ضد زوجاتهم المبتعثات، ويُهدّدونهن بإلغاء بعثاتهن بتطليقهن، أو بعودتهم إلى السعودية، وإلغاء بعثاتهن، فيصبرن على كل ما يُمارس ضدهن من عنف لاستمرارية بعثاتهن، وأجواء العنف والابتزاز لا تساعد المبتعثة على التفوّق في دراستها، أمّا إن كانت غير ذات زوج، ويتيمة وليس لديها إخوة ذكور، فهي أمام خياريْن إمّا أن تُحرم من البعثة، أو تتزوّج لمجرد أن يكون زوجها محرمها في البعثة، وقد يُعرّضها هذا الزواج إلى مشاكل لا حصر لها، أو تتزوج زواج مسيار والذي لا تنطبق عليه أحكام الزواج والطلاق والتعدد والخلع والأسرة في الإسلام، وقد حرّمه المجمع الفقهي الذي أباحه بعد تحريمه له، كما حرّمه عدد كبير من العلماء، وكم آلمني عرض أحد الطلبة المبتعثين الزواج من مبتعثة زواج مسيار لرفض السفارة الأمريكية منح والدها وأخيها تأشيرة دخول كمحرميْن.
والسؤال الذي يطرح نفسه: هل فعلًا الإسلام يُحرّم على المرأة السفر بلا محرم، حتى نجد فتاوى بتحريم سفر المرأة المريضة للعلاج بلا محرم، والأخذ بهذه الفتوى يؤدي إلى موت المريضة إن كان علاجها غير متوفر في بلدها؟ والأكثر من هذا فقد ماتت بالفعل مريضة بالقلب في لندن لعدم وجود محرم يرافقها في سيارة الإسعاف، وإصرار أسرتها على وجود المحرم؟
هل هذا يتفق مع روح الإسلام وإنسانيته ومبادئه؟
والمعطيات التي لدينا في سفر المرأة الآتي:
أولًا: ما ورد في صحيح البخاري بشأن سفر المرأة بدون محرم، حيث قال النبي صلى الله عليه وسلم: "توشك الظعينة أن تسافر من مكة إلى صنعاء لا تخاف إلا الله والذئب على غنمها"، وهنا أقر النبي سفر المرأة في الزمن الذي يكون فيه العدل وعدم الخوف ووجود الأمن، ولهذا أفتى ابن تيمية بأنّه يجوز للمرأة السفر للحج من دون محرم إذا أمنت على نفسها. وللأسف هذا الحديث لا يؤخذ به، مع توفر الأمن في السفر في زمننا هذا.
ثانيًا: مقولة أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها لمن استنكر عليها السفر بلا محرم" أوَكل النساء تجد محرمًا؟ فهي من أمهات المؤمنين اللاتي لهن خصوصية ، كما هي راوية حديث، وفقيهة عالمة أُخذ ربع الأحكام الفقهية منها، ولو كان سفر المرأة بدون مَحْرَمٍ مُحرّمًا لما سافرت بلا محرم، وكيف يُحرِّم عليه الصلاة والسلام سفر المرأة بلا محرم، وهو يعلم أنّ ليس كل النساء لديهن محارم؟
ثالثًا: الأحاديث التي أوردها الإمام مسلم في باب سفر المرأة مع محرم في حج وغيره من كتاب الحج، مضطربة في متنها وضعيفة في إسنادها؛ إذ نجد رواياتها اختلفت في المدد، فمنها نص على: مسيرة يوم، ومنها على مسيرة يوم وليلة، وعلى مسيرة يوميْن، وأن تسافر ثلاثًا، ومنها فوق ثلاث ليال، ومنها أن يكون ثلاثة أيام فصاعدًا، ومنها بلا تحديد مدة" ولا تسافر إلًّا مع ذي محرم" (424/ 1341)
ونلاحظ هذا الاختلاف في روايات أبي هريرة، فمنها رواية" تسافر مسيرة يوم"(رقم 419/1339)، ومسيرة ليلة( 420/ 1339)، وفيهما سعيد بن أبي سعيد، فإن كان الأنصاري المدني، أو البيروني الساحلي فكلاهما مجهول، وإن كان الزبيدي، فهو ضعيف ،وإن كان المقبري، فهو في رواية" مسيرة يوم وليلة"(421/ 1339)،وهو ثقة، من الثالثة تغيّر قبل موته بأربع سنين، وروايته عن عائشة وأم سلمة مُرسلة.
وفي رواية" أن تسافر ثلاثًا"( 422/ 1339) سهيل بن أبي صالح، صدوق تغيّر حفظه في آخر أيامه.
كما نلاحظ اختلافًا في المدد في روايات أبي سعيد الخدري، ففي رواية: نهى أن تسافر مسيرة يوميْن إلّا ومعها زوجها أو ذو محرم"(416/ 827) عبد الملك بن عمير" ثقة فصيح عالم تغيّر حفظه، وربما دلّس[ التقريب رقم 4200]،
وفي رواية" لا تسافر ثلاثًا"( 417/ 827)، عثمان بن أبي شيبة الكوفي: ثقة حافظ شهير، وله أوهام، وقيل كان لا يحفظ القرآن، ومن الطبقة العاشرة.[ التقريب :رقم 415]
وفي رواية" لا تسافر امرأة فوق ثلاث ليال إلّا مع ذي محرم( 418/ 827) معاذ بن هشام بن أبي عبد الله الإستوائي البصري، صدوق، وربما وهم.
وفي رواية" أن تسافر سفرًا يكون ثلاثة أيام فصاعدًا، إلا ومعها أبوها، أو ابنها، أو زوجها، أو أخوها، أو ذو محرم منها"(حديث رقم 1340)، وهذا الحديث لا يتفق أسلوبه مع أسلوب وبلاغة النبي عليه الصلاة والسّلام، فليس من قوله" فصاعدًا"، ثمّ قول" ذو محرم منها" يغني عن قول" أبوها، أو ابنها، أو زوجها،أو أخوها"، وهذا من علامات ضعف الحديث.
أما حديث "ولا تسافر إلّا مع ذي محرم" عن ابن عباس رضي الله عنهما ففيه سفيان بن عيينة " ثقة حافظ إلّا أنه تغير حفظه بآخرة ،وكان ربما دلس"[ التقريب 2451]
وهكذا نجد هذا الحديث مضطربًا في متنه، وضعيفًا في إسناده؛ لذا آمل من وزارة التعليم العالي أن تلغي شرط المحرم على المبتعثات، ويُترك أمر المرافقة، أو المرافق لأهل كل فتاة، فهم أدرى بصالح بناتهم وبظروفهم.