الارشيف / عالم المرأة / أخبار المرأة

قُصت أجنحتنا لكننا لازلنا نطير

  • 1/2
  • 2/2

هذه الكلمات جاءتنى فى قصيدة لشاعر المغرب «ناس حدهوم أحمد» تبعث على تحدى الأقدار فى مختلف الأقطار، والطيران كما فى الأحلام فوق الجبال والبحار.
أحيانا، دون سبب، أجد نفسى عاجزة عن الطيران، أخطر الأشياء تصيبنا دون سبب، منها الحزن والفرح أو اليأس والتحدى أو الاستسلام والمقاومة، بعد أن تقع الإصابة، نفكر فى المرض، ونبحث عن طبيب ليكتب الدواء ويقبض الثمن، هذا منطق الطب فى السوق الحرة، لم أؤمن بالمهنة منذ تعلمتها، لا نكتشف الخداع إلا بعد أن نعرفه، لم أذهب لطبيب إلا وأعطانى الدواء الخطأ، وتزول أمراضى جميعا حين أعود لطبيعتى الأولى قبل النظام التعليمى.
لا يقضى على عقولنا (منذ طفولتنا) إلا المدرسة، والنشيد فى الطابور: «الله.. الملك.. الوطن».
هذا الثلاثى المقدس المترابط منذ نشوء العبودية: طبقة الأسياد فى الدولة، والجنس الآخر الأدنى فى العائلة.
قضيت الأمس بقلب ثقيل يحمل أحزانى الطفولية، لا يوجع القلب مثل أحزان الطفولة، فهى الأحزان الحقيقية، الكاشفة لخداع المدرسين والأساتذة والأطباء والأدباء والفلاسفة ورجال الدين وغيرهم من الأسياد، لا يصعد إلى طبقة الأسياد إلا من يدوس الأجساد ويمص دم العبيد والنساء والأطفال.
أطرد الكون خارج بيتى حين أدخل، لا أرد على جرس الباب أو التليفون، اكتسبت مناعة ضد الأجهزة المتكلمة، منها التليفون «المحمول» فوق أجساد البشر لا يفارقهم فى الفراش أو المرحاض، وأجهزة الإرسال والاتصال والبث والدش، ينتصبون فوق الأسطح كرؤوس نووية للتجسس، وجهاز التليفزيون العتيق منذ ١٩٦٠، أصبح يرقد فوق رف بالمطبخ، مغطى بحجاب كامرأة حزينة، والتليفون «الأرضى» يشاركه المصير الأليم، لكنه سافر الوجه، تتهلل أساريره حين أرفع سماعته، لأطلب الفول السودانى من المقلة بمصر القديمة، أقزقز الحبات اللذيذة المحمصة بنار الفرن، مع الرشفات المعتقة الرقيقة كقلب الأم، والموسيقى تأتينى من بعيد قبل نشوء الكون، يسرى اللحن صافيا حنونا كالدم فى العروق، تفهمه الطيور والأفيال والخيول، دون حاجة إلى لغة أو دين أو هوية.
التعليقات تأتينى (على مقالاتى) نبعا متواصلا من الإلهام: «فؤادة العراقية» قلمها كالسيف يواصل التحدى للمؤامرات فى العراق، وشاعر المغرب «ناس حدهوم أحمد» يواصل الطيران ويقول:
لازلنا أحياء ولكن بشكل آخر
لا زلنا شبابا ونحن شيوخ
لا زلنا نعبئ الريح لصالحنا
قصت أجنحتنا لكننا لا زلنا نطير
ونبكى من شدة الفرح الحزين
ولا زالت مصر حاضرة من خلال طه حسين،
ولا زلنا نحب خليل جبران
.....
ولازالت (الكاتبة...) تحرك أحلامنا وخيالنا
فنبدع بكل عفوية وتلقائية
ونمرح فى سماء الحلم والثورة
........
لم أنشر القصيدة كاملة بطبيعة الحال، وأشكر الشاعر لأنه تذكر اسمى مع طه حسين وخليل جبران، فى زمن تختفى فيه أسماء الكاتبات تحت طبقات القشرة الأبوية، وأتفق معه فى أن أقلامنا كسروها لكننا نواصل الكتابة بلا أقلام، وأنهم صادروا الورق وقطعوا الكهرباء فأصبحنا نكتب بلا ورق ولا ضوء، وبتروا أصابعنا فأصبحنا نكتب بأصابع تنمو بعد البتر، ونحلق فى الكون بأجنحة تولد من الأذرع المقطوعة.
لم أقابل الشاعر إلا عبر كلماته، وهو بالمغرب بعيدا، لكنه يبدو أقرب من كثيرين قريبين، تؤكد قصيدته أن للتحدى قوة خارقة للطبيعة، تهزم الحكومات من كل الأقطار، فى حربهم ضد العقول المبدعة، وقصقصة الأجنحة، والخنق والشنق، والسجن والنفى وتشويه السمعة وقضايا الحسبة.
انهزمت أجهزة القمع القديمة والحديثة، فى الماضى البعيد والقريب، وسوف تنهزم فى الحاضر والمستقبل، ولن تنجح فى مطاردة الطيور المغردة فوق البحار، أو القبض على الأفكار المحلقة فوق الجبال والأفلاك.

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى