أثناء قيامي بإعداد دراسة عن شعر النبط في حوران استوقفتني صفتان ، هما : الصماعير والمناعير ،،، ويستخدمهما القوم للمدح والذم ، فالصماعير صفة اللئام الخسيسين من أعدائهم يرمونهم بها ، والمناعير صفة ايجابية ، تطلق على عِـلْـيَـةِ القوم ، ممن امتلأوا أُبَّـهةً وخيلاء وعنفوانـا .
وأردت الخوض في هاتين الصفتين ، لأرى مدى عروبتهما ، وهل لهما في لغة الجذور أساس وأرومة ؟؟؟
جاء في اللسان : ( ص م ع ر ) رباعي ، والعرب تقول : الصَّمْعَرُ والصَمْعَرِيُّ الشديد من كل شيء والصَّمْعَرِيُّ اللئيم وهو أَيضاً الذي لا تعمل فيه رُقْيَةٌ ولا سحر وقيل هو الخالص الحمرة والصِّمْعَرِية من الحيات الحية الخبيثة قال الشاعر :
أَحَيَّةُ وَادٍ بَغْرَةٌ صَمْعَريَّةٌ === أَحَبُّ إِلَيْكُمْ أَمْ ثَلاثٌ لَوَاقِحُ ؟
أَراد باللَّوَاقحِ العقارب ، والصُّمْعُور القصير الشجاع ، وصَمْعَر اسم موضع قال القتال الكلابي :
عَفا بَطْنُ سِهْيِ من سُلَيْمَى فصَمْعَرُ .........................
ومن هنا كان تعبير الشاعر الشعبي ياسين عبدالرزاق الحريري دقيقا ، حين هجا قوما بينه وبينهم مناوأة فقال في وصفهم :
ما انتو كفو يا صماعير === يا نذال الناس غضوا بصركم
يريد : لستم أكفاء لنا أيها الصماعير ( الخبثــاء اللئام ) ، يا أيُّهــا الأنذال من الناس ، فغضُّــوا أبصـاركم لا ترفعوهــا أبدا !!!
اما المناعير فهي من الثلاثي ( ن ع ر ) : قال صاحب اللسان أيضا :
النُّعَرَةُ الخُيَلاءُ وفي رأْسه نُعرَةٌ ونَعَرَةٌ أَي أَمْرٌ يَهُمُّ به ونِيَّةٌ نَعُورٌ بعيدة، قال :
ومنتُ إِذا لم يَصِرْنِي الهَوَى === ولا حُبُّها كان هَمِّي نَعُورَا
وفلان نَعِيرُ الهَمّ أَي بَعِيدُه وهِمَّةٌ نَعُورٌ بعيدةٌ والنَّعُورُ من الحاجات البعيدة . ويقال سَفَرٌ نَعُورٌ إِذا كان بعيداً ومنه قول طرفة بن العبد :
ومِثْلِي فاعْلَمِي يا أُمَّ عَمرٍو ===إِذا ما اعْتادَهُ سَفَرٌ نَعُورُ
ورجل نَعَّارٌ في الفتن خَرَّاجٌ فيها ، سَعَّاءٌ لا يراد به الصوتُ وإِنما تُعْنَى به الحركةُ . والنَّعَّارُ أَيضاً العاصي ( رُوِي هذا عن ابن الأَعرابي) ، ونَعَرَ القومُ هاجوا واجتمعوا في الحرب وقال الأَصمعي، في حديثٍ ذكره : ما كانت فتنةٌ إِلاَّ نَعَرَ فيها فلانٌ .أَي نَهَضَ فيها ،وفي حديث الحَسَنِ :كلما نَعَرَ بهم ناعِرٌ اتَّبَعُوه ،أَي ناهِضٌ يدعوهم إِلى الفتنة ويصيح بهم إِليها . ونَعَر الرجل خالف وأَبى ..وأَنشد ابن الأَعرابي للمُخَبَّلِ السَّعْدِي :
إِذا ما هُمُ أَصْلَحُوا أَمرَهُمْ === نَعَرْتَ كما يَنْعَرُ الأَخْدَعُ
يعني أَنه يفسد على قومه أَمرهم ،ونَعْرَةُ النَّجْمِ هُبُوبُ الريح واشتداد الحر عند طلوعه ،فإِذا غرب سكن وقولهم :"من أَين نَعَرْتَ إِلينا؟" أَي أَتيتنا وأَقبلت إِلينا (عن ابن الأَعرابي ) وقال مرة : نَعَرَ إِليهم طَرَأَ عليهم .والتَّنْعِيرُ إِدارة السهم على الظفر ليعرف استقامته من عِوَجه ، وهكذا يَفْعَلُ من أَراد اختبار النَّبْلِ ،والذي حكاه صاحب العين في هذا إِنما هو التَّنْفِيزُ ، والنُّعَرُ أَوَّل ما يُثْمِرُ الأَراكُ وقد أَنْعَرَ أَي أَثْمر وذلك إِذا صار ثمره بمقدار النُّعَرَةِ وبنو النَّعِير بطن من العرب .
والأصـل فيما ذكرناه آنفــاً ، قول العرب :
النَّاعِرُ ، ويقصدون به العِرْقُ الذي يسيل دماً . ونَعَرَ عِرْقُه يَنْعِرُ نُعوراً ونَعِيراً فهو نَعَّارٌ ونَعُورٌ صَوَّتَ لخروج الدم ، قال العجاج :
وبَجَّ كلَّ عانِدٍ نَعُورِ === قَضْبَ الطَّبِببِ نائِطَ المَصْفُورِ
وهذا الرجز نسبه الجوهري لرؤبة بن العجاج ، لكن ابن بري قال هو لأَبيه العجاج ، ومعنى بَجَّ شَقَّ يعني أَن الثور طعن الكلبَ فشق جلده ، والعَانِدُ العرق الذي لا يَرْقَأُ دَمُه ، وقوله قَضْبَ الطبيب أَي قَطْعَ الطبيب النائطَ وهو العرق ( وأظنه الوريد التاجي الذي يعبّرون عنه بنياط القلب ). والمصفور الذي به الصُّفَارُ وهو الماء الأَصفر ، والنَّاعُورُ عِرْقٌ لا يرقأُ دمه ، ونَعَرَ الجُرْحُ بالدم يَنْعَرُ إِذا فار وجُرْحٌ نَعَّارٌ لا يرفأُ، وجُرْحٌ نَعُورٌ يُصَوِّت من شدّة خروج دمه منه ونَعَرَ العرقُ يَنْعَرُ بالفتح فيهما نَعْراً أَي فار منه الدم . قال الشاعر :
صَرَتْ نَظْرَةً لو صادَفَتْ جَوْزَ دَارِعٍ ===غَدَا والعَواصِي من دَمِ الجَوْفِ تَنْعَرُ
وقال جندل بن المثنى : رأَيتُ نيرانَ الحُروبِ تُسْعَرُ ===منهم إِذا ما لُبِسَ السَّنَوَّرُ === ضَرْبٌ دِرَاكٌ وطِعانٌ يَنْعَـرُ (بفتح العين)...
ويروى يَنْعِـرُ (بكسر العين)أَي واسع الجراحات يفور منه الدم .
قلت ومنه سُـمِّي مرض النُّزاف بمرض الناعور ، ويقال أنَّ العائلة المالكة في بريطانيا قد ابتُـلِـيَـتْ به !!!
فالأبَّـهـةُ والخيلاء على المرء يُـرى أثرهما عليه يفور فوراً ...فبين النعر والأبَّهـة مشاكلة رمزية واضحة !!!
ولا يزال الحورانيون يعبرون عن الرجل الذي يفتخر بمآثر الأجداد : فيه نعرة جاهلية ، وكل من فيه خصلــة من الخصال السالبة فيه نعرة !!!
وهكذا تبيَّن لنا بالأدلّــة القاطعة فصاحة الاستعمال الحوراني للصفتين ، هذا والله أعلم ، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه والتابعين ، وآخــر دعــوانــا أن الحمـد لله ربّ العالمين ..