جميعنا يعلم بدقة أو بصفة عامة أن البشرية مرت بمراحل طويلة من التطور، وكأن المجتمعات جاءت وفق مخاض طويل بدأ بالولادة ثم النمو المتتالي حتى باتت اليوم على ما هي عليه، وفي ظني بل كما هو ماثل في حياتنا اليوم وحسب كثير من العلماء فإن هذا النمو سيتواصل، وإن الاكتشافات والمخترعات لن تتوقف، بل إن البعض من الاكتشافات تسبب للإنسان أضراراً جسيمة ولكن في سبيل السرعة ومزيد من الذهاب للمجهول يتم تقبل هذه الأضرار ومن ثم البحث عن حلول لها.
لن أذهب بعيداً وسأضرب مثالاً بجانب مهم من إفرازات حضارة اليوم وهي الوجبات السريعة، وما تحتويه من عواقب صحية جسيمة سواء على الأطفال أو على كل من يتناولها، لكن الوجبات السريعة باتت شراً لا بد منه خصوصاً وأنت تلاحظ انتشارها البالغ في كل مكان. البعض يفسره تماشياً مع سرعة العصر وروحه، لذا انتشرت أمراض كنا في غنى عنها تماماً، لعل السمنة المفرطة وما يتعبها من جملة من العواقب الصحية كالسكري والجلطات وارتفاع الكولسترول وغيرها ماثلة وتضرب بقوة ودون هوادة، وتبعاً لهذه الحالة العالمية تقوم شركات الأدوية كل يوم بتسويق مستحضر علاجي تزعم أنه يداوي ويعالج مثل هذه الأمراض.
بالمثل فإن حياة اليوم التي غلب عليها الخمول والكسل، سببت أيضاً أمراضاً كهشاشة العظام لأننا نتجنب أشعة الشمس خصوصاً في أوقات يفترض أن تعطينا فيتامين دال.
غني عن القول إن تقدم الإنسانية وتطورها رافقته فاتورة هائلة من الألم النفسي والجسدي، فاتورة من الهموم والآمال المحطمة، وليس بالضرورة كل ما أنجز وكل ما أنتج كان مفيداً وفعالاً بل دوماً نجد أضراراً جانبية، وفي أحيان الأضرار أكبر من الفوائد ولكن بمبررات البحث والدراسة نندفع نحو المزيد، وما أبحاث القنبلة النووية إلا واحدة من إفرازات فضول الإنسان .. هذا الفضول القاتل.
عموماً بعد كل هذه القرون الطويلة كيف ننظر للكرة الأرضية بعد نحو قرن من الزمان؟ أين ستصل الاتصالات الذكية، وكيف سيكون تواصلنا؟ بالنسبة لي أتوقع أن تكون تقنيات الاتصال وجهاً لوجه ليس عبر الشاشة لأن هذه الخطوة بدأت وستنتهي خلال عشرين عاماً أو أقل، بل أتوقع أن يكون تواصلك وحديثك مع شخص آخر في أقصى الأرض بأن تشاهده جالساً أو واقفاً أمامك كطيف، وهذه التقنية الاتصالية بدأت اليوم وإن كانت محدودة جداً، ولكننا شاهدناها في عروض تجريبية، والمستقبل سيقول الكثير.