القيادات النسائية في بلادنا غاضبة لأن الحكومات تجاهلت حقوق المرأة رغم ما قدمته النساء للثورة من جهد وعرق ودم، لم تدرك هذه القيادات أن المقهورين لا يحررهم إلا أنفسهم (نساء أو فقراء) فالحرية والعدل والكرامة لا تمنحها حكومة، بل يتم انتزاعها بالقوة الشعبية المنظمة الواعية.
لكن أغلب هذه القيادات النسائية لم تملك الوعي بضرورة تنظيم النساء وتوحيدهن، بل شاركن السلطات المستبدة في تمزيق الحركة النسائية المصرية، وضرب أي تنظيم نسائي شعبي مستقل عن الحكومة، لماذا تسقط النساء في الانتخابات، رغم أن طوابير النساء أمام الصناديق أكثر طولا من طوابير الرجال؟ ولماذا يسقط الفقراء رغم أن طوابير الفقراء أكثر طولا من طوابير الأغنياء؟ ولماذا لا يموت في الثورات والحروب إلا الفقراء والنساء والأطفال، وتظل النخبة من الرجال والنساء مع أولادهم في قلاعهم يحصدون مكاسب الثورة والحرب والسلم؟.
وفي الدستور يكتبون أن المرأة تتساوي من الرجل، لكن القانون المدني والديني يعطي الرجل الحق في ضرب زوجته ليؤدبها متي شاء، ويطلقها متي شاء ليتزوج أربع نساء، ويورث الثراء والفقر عن الآباء، ويفرق القانون بين الأغنياء والفقراء، وكل شيء يشتري بالمال منها الصحة والكرامة والعدالة والشرف.
يمنع القانون تكوين الأحزاب علي أساس الدين أو الجنس، لكن الأحزاب الدينية السلفية في كل أنحاء البلاد، أما الأحزاب النسائية فهي وحدها الممنوعة، وهذه التناقضات الصارخة لا تراها أغلبية النساء والفقراء، تشكلت عقولهم منذ الطفولة لقبول الظلم باعتباره القضاء والقدر تتعلم الطفلة أنها أقل من الولد عقلا ودينا، ومصيرها الخدمة بالبيت.
قد يدخل أولاد الفقراء المدارس المجانية، ويشتغلون بالحكومة أو بالمهن الحرة، وينتقلون إلي طبقة وسطي، لكن السلطة المستبدة تظل تحكمهم في الدولة، وقد تعمل المرأة خارج البيت بأجر كبير وتنفق علي البيت، لكنها تظل محكومة بسلطة زوجها المطلقة في البيت. إحدي الوزيرات طلقها زوجها لسفرها دون إذنه لمؤتمر علمي، وأستاذ جامعي طلق زوجته الاستاذة العميدة ليتزوج سكرتيرة من عمر أحفاده، ورئيس حزب طلق زوجته لأنها اختارت في الانتخابات شخصا لا يؤيده، والدكتورة الأم التي تربي ابنها ليسيطر علي أخواته ويراقب سلوكهن ليكون رجلا، والأستاذة التي اتهمت الشباب بفقدان الثورة والرجولة، فالثورة في نظرها هي طاعة الزعيم الملهم، والرجولة هي الرأس المحلوق والتدرب علي السلاح ليصبح (دكرا).
اجتماعات متعددة تمت مع المنظمات النسائية الحكومية، وغير الحكومية، نوقشت فيها جميع القضايا، ما عدا قضية المرأة، لم تكن واردة، وتم تعبئة النساء مثل أكياس البطاطس في طوابير الانتخابات، صفوف متراصة من الأجساد الحافظة للأوامر، نصف المجتمع، الأغلبية العددية التصويتية، يتنافس عليها الجميع، كتل من الأصوات، ليس لها (صوت) في الواقع والحقيقة.
الصراع الحقيقي بين القوي والأحزاب السياسية، مائة حزب، ليس من بينها حزب واحد يتبني قضايا النساء، وإن أصبحت المرأة رئيسة دولة أو حزب أو حكومة، فإن ثقافتها الطبقية الأبوية تحكمها، فقدت النساء حقوقهن في عهد مارجريت تاتشر وإنجيلا ميركل، بمثل ما فقد الفقراء والسود حقوقهم في عهد باراك أوباما، ولن تتغير علاقة الحاكم بالمحكومين في الدولة ما لم تتغير علاقة الرجل بالمرأة في الأسرة والقانون والثقافة والتعليم، ولن تتحقق الديمقراطية في البرلمان إذا ظلت الدكتاتورية في البيت، يمتد مفهوم الاستبداد من (الأب) في الأسرة إلي (رب العائلة) في الدولة، فتذوب السلطة الإلهية في السلطة الأبوية والطبقية.
أصبح علم المرأة، منذ منتصف القرن الماضي، أحد فروع العلم الحديث، يقوم بتدريسه أساتذة وأستاذات في أكبر جامعات العالم، هذا العلم يرفع الوعي بقضية المرأة، ويكشف أسباب نشوء النظام الطبقي الأبوي في التاريخ، ويربط بين القهر البيولوجي والاقتصادي والسياسي والاجتماعي والجنسي والنفسي والديني والفلسفي والتعليمي والثقافي والفني، ومنذ أيام، سألت عميدة كبيرة لماذا لا يوجد قسم لعلم المرأة بالجامعة المصرية؟ فسألتني باندهاش: وهل للمرأة علم؟.