أمسكت ورقة و نظرت إليها مطوّلاً .. إنها عقد ملك لأرض واسعة جداً ... هي ملكي، ملكي أنا و بيدي مال وفير جداً، أنظر إليه بإمتنان و اطمئنان... سألت مطوّلاً و استفسرت عن حدود صلاحياتي، و ماذا أستطيع أن أُعمّر فيها ... أخبروني معك مال و الأرض لك فافعلي فيها ما شئت .. في البداية استأجرت منزلاً ريثما أنتهي من بناء بيت أحلامي ابتسمت مسرورة و دخلت إلى ذلك المنزل الذي استأجرته، مع أنه لم يكن بحجم طموحاتي و لا بامكاناتي الواسعة فأرضي مذهلة و مالي وفير، و لكنه يوفي بالمطلوب مؤقّتاً. دخلت إليه .... آآآآه لم يعجبني أبداً ... إنه ليس كما أريده ... لا بدّ أن أجعله كما أريد و كما يليق بي ... أمسكت مالي بلا تردد و بدأت بإعادة الديكور، رميت كل الأثاث القديم خارجاً و وضعته مبدئياً في جزء صغير من أرضي الجرداء و وضعت أجمل التحف الرائعة و أبدعت في أشغالي اليدوية الملفتة ... جعلت من ذاك المنزل الصغير أجمل معرض جمعت فيه أجمل المقتنيات و أغلاها ثمناً، و لم أبخل على نفسي طبعاً بأجمل الأزياء و الحفلات ... سأعيش لحظتي و أمتّع نفسي .. هي حياتي سأعيشها مرة واحدة فقط، انغمست في بحر من الحياة المترفة و أصبح لي مكاناً مرموقاً في أوساط مجتمعي، و كلما بادرت أن أبني منزلي أوقفتني أمور متجددة في حياتي، أراها أهم في وقتي الحالي و هكذا ... إلى أن أمسكت نقودي يوماً ... عددتها .. و عددتها مجدداً، غير معقول لقد بدأت تتلاشى أصابني دوار مفاجئ ... ماذا يجب أن أفعل ... يجب أن أُعمّر ذاك المنزل قبل أن لا أقوى على دفع الإجار، و لكن أرض واسعة و مال قليل ...!!! للأسف ما الذي يمكن أن أفعل ...؟؟؟ حسناً سأحاول بناء هيكل على الأقل قبل أن يذهب كل المال ... بدأت أسس لذلك الهيكل ... و لكن يجب أن يكون صغيراً حتى أستطيع أن أوفي كافة متطلباته ..." يا لحسرتي ... أصنع بيتي صغيراً و بيدي ليته كان كبيراً " و عندما وضعت آخر حجر من البناء انتهى المال ....... نعم انتهى ...! خرجت من منزلي الجميل بعد أن جعلته تحفة نادرة و بالطبع لم يعترف لي صاحب المنزل بشيء .... فخرجت خاوية اليدين متحسّرة على مال أضعته في أشياء ليست بالنهاية لي ... خرجت إلى منزلي الحقيقي و وضعت الأثاث الرث البالي الذي لم أرضاه لنفسي سابقاً ... جلست في بيت خالٍ موحش لا فيه دهان و لا للإنارة مكان، على ضوء شمعة صغيرة في أرض مُقفرة بعد أن تعوّدت على أروع الأماكن و أكثرها بذخاً، لم أكن لوحدي على هذا الحال ... لقد كان هناك الكثير مثلي بل أسوأ مني ... هناك من يجلس بلا سقف و لا باب تتهاوى عليه الرياح من كل جانب و منهم بلا بيت في أرض موحشة مقفرة و الأسوأ من ذلك هناك أناس يجلسون في أرضهم التي كانوا قد جعلوها مكاباً لنفاياتهم ... و لكن آلمني جداً ... أني وجدت قصوراً قد عُمرت ... و أضواء أُنيرت ...و أبراج شُيّدت .. و بساتين زُرعت ... في أراضٍ قربي، أين كنت ! عندما كانوا أولئك يبنون قصورهم .... كنت أستمتع بحياتي و هم يعملون من ورائي ...??? للأسف لم يكونوا من ورائي ... إنهم كانوا على مرأى مني و لكنني تجاهلتهم و نعتّهم بأولئك الذين يعطون الأمور أكثر مما تستحق و يبالغون كثيراً بحساباتهم و بالنهاية هذه هي النتيجة .... أدركت أنني كنت ساذجة ذو نظرة قاصرة من حيث لا أدري، يا لغبائي.
بيتي المستأجر ::: هو حياتي الدنيا و مالي الوفير ::: هو عمري و أرضي الواسعة::: هي حياتي في العالم الآخر.
أعدت الشريط و فكّرت ... ماذا كان يجب أن أفعل .... لم يكن يُطلب مني الكثير ... كان يجب فقط، أن أعطي كل ذي قدرٍ قدره ... لا مانع أن أُزيّن بيتي المستأجر و لكن يجب أن يكون قصري أجمل، و لا أمانع أن أكون بمستوى راقي و لكن يجب أن أكون هناك أرقى، من الجميل أن أكون جميلاً، و من القبيح أن تكون حياتي كلها من أجل الجمال و من الجميل أن أكون أنيقاً، و من الحماقة أن أعيش من أجل الأناقة و من الجميل أن أكون ذو مستوى راقي، و من الانحطاط أن أظن أنّ الرُّقي فقط في تلك الحياة الفانية و من الجميل أن أعيش سعيداً، و لكن من الغباء أن أعيش سعادة آنية تُخلّف ندامة دائمة.
ليكن هدفنا الأساسي هو مكاننا الحقيقي ... و لنعش لأهداف سامية و عقول واعية، فلنستخدم عقولنا و نوسّع مداركنا، فللعقل و الفكر جمالٌ لا يدركه إلا من ذاقه، فتنبّهوا أيتها العقول.
( و وجدوا ما عملوا حاضرا، و لا يظلم ربك أحدا )...