ألف يوم من الحرب حوّلت الواقع في سوريا إلى أسوأ السيناريوهات وأشدّها تشاؤماً. فما حذّر منه الخبراء في إطار مشروع "الأجندة الوطنية لمستقبل سوريا" في عام 2011، فيما يخص الآثار الاقتصادية المحتملة لهذه الحرب، أصبح اليوم واقعاً. الناتج المحلي الإجمالي انخفض بنسبة 45 في المائة، وعدد العاطلين عن العمل بلغ ثلاثة ملايين سوري من أصل خمسة ملايين يشكّلون مجموع القوى العاملة. وإذا ما تواصل النزاع إلى عام 2015، سيتكبّد البلد، حسب ما أشارت إليه توقعات الأجندة، خسائر تعادل ثلاثة عقود من النمو الاقتصادي وعقدين من التنمية البشرية.
وحسب مؤشر الإسكوا لأهداف الألفية الذي يشمل مجموعة من المؤشرات التنموية والاقتصادية، كانت سوريا تحلّ في المرتبة الرابعة في المنطقة العربية (بعد سلطنة عُمان ومصر وتونس) في عام 2010، وتراجعت اليوم إلى المرتبة الثالثة في أسفل القائمة، يتقدّم عليها العراق الذي تمزّقه الحرب منذ عشرة أعوام بمرتبة واحدة، وتتقدّم هي على السودان والصومال فقط. ويظهر مؤشر الإسكوا جلياً التراجع في ترتيب سوريا، حيث انخفض معدل تحقيق أهداف الألفية من ارتفاع قدره 6 في في المائة في عام 2010، إلى انخفاض نسبته 50 في المائة.
ولعل الأكثر خطورة بين المؤشرات هو مؤشر صحة الأطفال. وتشير التقديرات إلى بلوغ معدل وفيات الرضع 18 حالة لكل ألف ولادة حيّة بعد أن كان 14 لكل ألف في عام 2011. وهذا الارتفاع هو نتيجة للنقص في الغذاء، والتعرض للبرد، والافتقار إلى الرعاية الصحية. وكلّ عام يموت حوالى تسعة آلاف طفل من أصل 50 ألف طفل يولدون بأقل من الوزن الطبيعي، وهذا يزيد من تعرضهم للوفاة ولمخاطر صحية متنوعة. والأخطر هو ظهور بعض الأمراض التي كانت قد انقرضت في سوريا مثل مرض شلل الاطفال.
أما على صعيد التعليم، فقد انخفض معدل الالتحاق بالتعليم الثانوي إلى 64 في المائة وبالتعليم الأساسي إلى 61 في المائة من مجموع الأطفال في سن التعليم، وهذا بعد أن كان معدل الالتحاق بالتعليم الأساسي قد قارب 93 في المائة من مجموع الأطفال في سن التعليم في عام 2010، وارتفعت نسبة السكان تحت خط الأمن الغذائي إلى 19 في المائة.
وتبدو هذه المؤشرات نتيجة طبيعية لألف يوم من الحرب، أدّت إلى تجريد الاقتصاد السوري من قدرته على تلبية الاحتياجات الأساسية للمواطن، إذ تراجع الناتج المحلي وانخفض إنتاج النفط إلى 15 ألف برميل يومياً، بعد أن كان 385 ألف برميل في عام 2010، وأصاب البنية دمار هائل، إذ تهدّم أكثر من 1.5 مليون منزل كلياً أو جزئياً، فتحوّل سبعة ملايين مواطن إلى لاجئين بلا مأوى، وتدمرت نسبة 40 في المائة من شبكة الاتصالات وتعطّلت محطات توليد ونقل الكهرباء تقدر طاقتها بحوالى 3000 ميغاواط، وبات 29 في المائة من السكان بدون مياه صالحة للشرب.
وفي حال استمرار الصراع في سوريا، تشير تقديرات مشروع الأجندة الوطنية لمستقبل سوريا إلى أن جميع المؤشرات الاقتصادية والتنموية ستؤول إلى مزيد من التدهور، وتدخل البلد في دوامة من الدمار الذي سيكون من الصعب النهوض منه. وإن دلّ ذلك على شيء فعلى مسؤولية يجب أن يتحملها الجميع، لتدارك الأسوأ، إذ من المتوقع أن ينخفض الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 57 في المائة وأن يبلغ معدّل الفقر 44.5 في المائة في عام 2015.
وبالرغم من هذه الصورة القاتمة، نستطيع القول إن مهمة إعادة بناء سوريا لن تكون مستحيلة أبداً إذا توقفت الحرب اليوم. فقد سجلت سوريا قبل الأزمة معدّلات ديون داخلية وخارجية منخفضة، وتمتعت بتركيبة إنتاج متنوعة وبمؤسسات منيعة. أما السوريون فيملكون مهارات ريادية خلاقة. وخلاصة القول إن لكل يوم تأخير في حل النزاع ثمناً باهظاً، سيدفعه الإنسان في سوريا، وستدفعه سوريا من بنيتها الأساسية ومن فرص إعادة بنائها بلداً عصرياً وموحداً.
يهدف مشروع الأجندة الوطنية لمستقبل سوريا إلى وضع أجندة وطنية شاملة تتضمن خيارات السياسات اللازمة لمواجهة التحديات الاجتماعية والاقتصادية وتحديات الحكم أثناء المرحلة الانتقالية ما بعد الأزمة، وبناء شبكات وشراكات بين مختلف الأطراف في سوريا والمنطقة والعالم لتسهيل العملية الانتقالية بعد انتهاء الأزمة.