الارشيف / عالم المرأة / أخبار المرأة

اغتصاب النساء… أقصر طريق لتحطيم الرجال

  • 1/2
  • 2/2

فوق متاعب السياسة وآلامها، غرقت مصر في نقاش عام حول التحرش الجنسي بالفتيات في الشارع والأماكن العامة. نقاش أفسد احتفالات الأوساط الرسمية والمقربة منها بفوز عبد الفتاح السياسي بانتخابات الرئاسة وتنصيبه رئيسا.
هل كانت تلك مؤامرة؟ تكاد تكون. ولم يكن بعض الإعلام المصري الفالت من كل حسيب أو رقيب بحاجة إلى من يغمز له كي يتبنى أن للإخوان المسلمين علاقة ما بالموضوع بهدف «إفساد العرس» الرئاسي.
مصر صاحبة باع طويل في موضوع التحرش وفق دراسات أكثر من منظمة غير حكومية أجنبية. لكنها الجزء المرئي من قطب الجليد في منطقة موبوءة تجرُّ تاريخا من الانكسارات وخيبات الأمل ومن اليأس، لم تفرّق بين النساء والرجال.
ويأخذ الموضوع أبعاداً أكبر عندما يتعلق الأمر بالنساء، ثم تتناوله وسائل إعلام غربية ودوائر بحث وجهات أهلية تقيس الاشياء بمقاييسها وبيئتها وتفاصيل ثقافتها (ترى بعض أنواع نظرات العين تحرشا جنسيا ونراها غزلاً!).
هكذا لم يكن غريباً أن سيطر موضوع التحرش الجنسي في مصر على مانشيتات كبريات الصحف العالمية طيلة الأيام الماضية. لكنه لم يأخذ أبعاده الحقيقية داخل مصر إلا لأن الوقائع الكبرى (المدانة) حدثت أثناء عرس سياسي سعى أصحابه أن ينتهي بلا شوائب. ايضا لأن الغرب، بإعلامه ودوائره الرسمية وغير الرسمية، تناول الموضوع بسلبية وانتقادات وُصفت في القاهرة بأنها تسيء لمصر. بل ذهبت بعض التقارير الإعلامية والبرامج التلفزية المصرية تتحدث عن مبالغة واستقصاد لمصر بعد «درسها الديمقراطي للعالم». وراحت أخرى تحمّل البنات مسؤولية ما يحدث لهن، أو تقارن بين المجتمعات الغربية الخالية من التحرش على الرغم مما فيها من «عري»، ومجتمعاتنا المبتلاة بالتحرش على الرغم مما فيها من «ستر».
سيكون من الخطأ مقارنة مجتمعات غربية بأخرى شرقية في هذا الموضوع. بالأحرى هناك رصيد قانوني وتجارب يمكن الاستفادة منه.
التحرش الجنسي بفتاة وحيدة في الشارع عندنا ينطلق من حرمان وكبت متراكمين إلى درجة الخطر، ومن شعور راسخ بالتفوق والتميز على تلك الفتاة. وينطلق من قحط عاطفي وفراغ في أسس التربية الإنسانية السليمة.
يتحرش الشاب بواحدة لأنه يعرف سلفاً أنه لن يستطيع الوصول إليها، وأن أقصى ما في يديه، أن يلمس جسدها أو يُسمعها كلمات خادشة تعبِّر عن رغبة هائجة مكبوتة. يفعل فعلته وهو يدرك أن لا أحد ولا شيء سيردعه. بل العكس هو الأرجح فتـُلام الضحية وتُشتم.
وفي الغرب لا يتحرش الشاب بفتاة في مكان عام، لأنه لم ينشأ على ذلك، ولأنه لا يعاني من قحط نفسي وعاطفي وجنسي. لأن المرأة ليست لغزا جنسيا بالنسبة له. وأيضا لأنه يدرك أن لديه حظوظا قوية ليتناول معها مشروبا بعد دقائق أو حتى يرافقها إلى شقتها. لهذا كله ينتفي بسرعة داعي التحرش، أو هو غير موجود أصلا.
تحتاج مصر، ومعها كل الدول العربية، وأغلبها تعاني هذه الآفة، إلى حرب متعددة الجبهات أقرب إلى المعجزة، لعلاج مشكلة التحرش. ولا يجب انتظار النتيجة بعد شهر أو أسبوع أو سنة.
تحتاج إلى تربية مدنية تبدأ من البيت ولا تنتهي، وإلى تلقين مفاهيم المساواة الإيجابية، وثقافة أن ما ليس لك ليس من حقك، وإلى زرع «ثقافة المرآة» واسأل نفسك: هل تقبل أن يتحرش غيرك بأختك أو زوجتك؟
قبل ذلك وأهم منه، تحتاج مصر إلى ترسانة قانونية متشددة ورادعة يمكن أن تستنسخ جوهرها من المجتمعات الغربية. هناك، لا ينعدم التحرش الجنسي لأن البشر ملائكة أطهار، بل لأن القوانين صارمة: كل أنواع الجرائم فيها نقاش ووجهة نظر، إلا ما له صلة بالنساء والأطفال. في كثير من الدول لا تسقط جرائم الاغتصاب والاعتداء الجنسي بالتقادم. في كثير من البلدان يجري الحرص على تطبيق القوانين بصرامة إلى حد الأذى، فتكاد قاعدة «المتهم بريء حتى تثبت إدانته» أن تتحول إلى «مذنب حتى تثبت براءته».
وفي دولة مثل بريطانيا يتابع الرأي العام بشكل مستمر قضايا اغتصاب وتحرش جنسي، بأطفال ونساء، وقعت قبل أربعين سنة، بُعثت من جديد لمجرد ظهور دليل واحد معزول. وهناك رجال أُدينوا بعد ثلاثة وأربعة عقود من ارتكابهم جرائمهم.
لا شيء يردع الإنسان غير مثل هذه الصرامة. ومع ذلك تشهد المجتمعات الغربية استمرار جرائم التحرش والاغتصاب، فما بالك بدول لا قوانين فيها وإن وُجدت لا تُطبق وإن طُبقت لا تنفذ؟
هناك آفة كبرى في هذه المجتمعات الشرقية: طالما بقيت تعتبر النساء شرفها ونقطة ضعفها، فلا أمل. تتفاقم الأمور في الحروب والأزمات، عندما تصبح المرأة سلاحاً في يد الرجال ضد رجال آخرين، به يقودون معاركهم، ينتقمون ويصفـُّون حساباتهم.
حدث هذا في يوغسلافيا السابقة والكونغو وجنوب السودان وفي أميركا اللاتينية، وفي مناطق أخرى.
المتحاربون يحرصون على أن تكون المرأة سلاحا في أيديهم، لأنهم يدركون سلفاً أنها أقصر طريق لهزم العدو، أو إنهائه بعد هزيمته. يعرفون أن العدو كان سيفعل الشيء نفسه، فلا شيء «يكسر أنف» رجل شرقي، بغض النظر عن ديانته، غير شرفه (امرأة تحت مسؤوليته).

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى