تصنف المرأة البرازيلية من بين أكثر نساء العالم اهتماما بمظهرها الخارجي إلى درجة تصل حد الهوس، لكن ذلك لم يشفع لها أمام مجتمع ما تزال نظرته إليها "ذكورية"، وقد تتطور النظرة إلى إهانة وضرب وجرح يفضيان إلى القتل في حالات تتكرر مشاهدها عشرات المرات في اليوم الواحد في أكبر بلد في أمريكا اللاتينية.
وأجمعت نساء برازيليات تم التحدث إليهن على أنهن مازلن يعشن شتى أنواع العنف، ولكن ذلك لا ينفي وجود أخريات استطعن أن يتحدين جميع الصعوبات، ووصلن إلى أعلى الدرجات في هرم الدولة، كما هو حال الرئيسة ديلما روسيف. "أعتقد أن المرأة البرازيلية متمتعة بدرجات نسبية من التمكين، سمح لها بالحضور في العديد من المجالات كالهندسة والإعلام أو رئيسات لشركات معروفة أو حتى رئيسة للدولة"، تقول ميلاني عاووس، التي تشتغل منعشة عقارية، قبل أن تستدرك متسائلة "أنا لا أفهم لماذا لا تتقاضى المرأة البرازيلية نفس الأجر الذي يتقاضاه الرجل؟...". وتضيف أن أجور النساء في البرازيل أقل من أجور الرجال بنحو 30 في المائة، وهذا، في نظرها، ظلم يتعين محاربته، خاصة وأن النساء يشتغلن نفس عدد ساعات العمل اليومي كالرجل تماما وفي نفس الظروف .. "إنه طريق طويل علينا أن نسلكه من أجل تحقيق المساواة". وترى، من جهة أخرى، أن المرأة البرازيلية ما تزال تعاني من تلك النظرة "الذكورية" المترسخة في أذهان الرجال والتي لم يتم التخلص منها بعد، "فأغلب النساء يعشن قبل الزواج في بيوت آبائهن، ويصعب عليهن مغادرة البيت والعيش بعيدا عن أنظار الأسرة، اللهم في حالة الزواج". أما شيرلي برانكو، أستاذة اللغات بساوباولو، فتؤكد، في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، أن "البرازيليات قادرات على مواجهة مشاكل الحياة بكل عزم وبإمكانهن التوفيق بين العمل في البيت وخارجه لكن مشاكل كبيرة تقف أمامهن من أبرزها الولوج إلى التعليم والجامعات". وأضافت أن القوانين الصارمة التي وضعتها الحكومة للحد من الاعتداء على المرأة ساهمت بشكل كبير في تحسين أوضاع النساء نحو الأفضل. ومن جهتها، أبرزت ميريلا مراندولا سامبايو، المتخصصة في الاقتصاد، وتشتغل في المجال التطوعي بمناسبة احتضان البرازيل لفعاليات المونديال الكروي، أن المرأة البرازيلية منفتحة، واجتماعية بطبعها، ولا تمل من التعرف على أصدقاء جدد، ومستعدة على الدوام لتقديم يد المساعدة للآخرين، وعملها في المجال التطوعي يعتبر شيئا طبيعيا بالنسبة إليها، وجزءا من ثقافة البرازيليات الخدومات للآخرين. وبخصوص النظرة الذكورية تجاه النساء، تقول مراندولا سامبايو، إن الأمور بدأت تتغير شيئا فشيئا، وتضيف أنها تشتغل بالقطاع البنكي ضمن مجموعة تضم خمسة رجال، وهو الأمر الذي تعتبره صعبا نوعا ما، مشددة على أن تغيير العقليات بات أمرا ضروريا كما حدث في بلدان أوروبية أو في الولايات المتحدة الأمريكية. وبدورها، ترى الصحافية ايزادورا كاليل، في تصريح مماثل، أنه في البرازيل، تظل مشاكل النساء مهمشة من قبل وسائل الإعلام المحلية التي لا تولي كبير اهتمام لهذه الفئة من المجتمع خلال مختلف النقاشات العمومية. وتعتبر أنه يتعين بذل المزيد من الجهد لتستطيع النساء التغلب على العقبات التي مازالت تقف في طريق تمكينهن ، ومن بينها القضاء على التمييز بين الجنسين والعنف ضد المرأة، وهو ما انتبهت إليه الحكومة التي خصصت فريقا بأكمله لمعالجة جميع السلوكات المهينة لشأن المرأة. ومن ناحية أخرى، تقول كاليل إن "الدين له تأثير اجتماعي مهم في حياة النساء البرازيليات، وخاصة ما يتعلق بحالات الإجهاض التي تحظره القوانين الحكومية بتأثير من الكنيسة". ووصفت مسألة عدم المساواة الاجتماعية بين الرجال والنساء في هذا البلد الجنوب أمريكي بالنقطة السوداء التي تلطخ صورة المجتمع وتعاطيه مع المرأة وخاصة من حيث الأجور التي تقل، في غالب الأحيان عن تلك التي يتقاضاها الرجال. وأضافت أن العنف داخل بيت الزوجية مازال حاضرا ومازال تعنيف الرجال لزوجاتهن من المشاكل التي تعاني منها البرازيليات، موضحة أنه تم على مستوى الحكومة الاتحادية وولاية ساو باولو، إحداث كتابات خاصة تتولى مهمة الرفع من مستوى حملات التوعية لمناهضة العنف ضد النساء وللحفاظ على حقوقهن. وفي هذا السياق، أحدث "مركز الدفاع عن المرأة" الذي يمكن النساء الضحايا من التقدم بشكاويهن ضد أي نوع من الاعتداء، إلى جانب وجود "قانون ماريا دي بينيا" الذي يحمل اسم امرأة تدعى "ماريا دا بينيا"، وهي صيدلانية كانت قد تعرضت للضرب من قبل زوجها لمدة 14 عاما، وحاول قتلها مرتين سنة 1983، وأصبحت مشلولة بعد أن أطلق النار عليها على مستوى الظهر وهي نائمة. وتقدمت ماريا دا بينيا بشكوى أمام لجنة البلدان الأمريكية لحقوق الإنسان، وذلك بدعم من لجنة أمريكا اللاتينية والكاريبي للدفاع عن حقوق المرأة، فكانت هذه أول حالة عنف ضد المرأة تتبناها الهيئة الإقليمية التي تشكل جزءا من منظمة الدول الأمريكية، وهو الأمر الذي مكن في نهاية المطاف سنة 2001 من إصدار حكم أدينت فيه الدولة البرازيلية بالإهمال وعدم اتخاذ إجراءات ضد العنف المنزلي. وحتى ماريا دا غراساس فوستر، المرأة الحديدية التي تقود "بيتروبراس"، أكبر شركة في البرازيل ورابع أكبر شركة في العالم في مجال الطاقة، تعترف بصعوبة مهمة تسيير شركة نفط عالمية تشغل أزيد من 82 ألف موظف لا تمثل النساء من ضمنهم سوى 16 في المائة. وتعتبر غراساس أن البرازيليات اللواتي يشكلن 60 في المائة من الساكنة النشيطة استطعن أن يجدن لأنفسهن موطئ قدم في عالم الشغل إلى جانب الرجال، لكن "الأحكام المسبقة" بين الجنسين سلاح مدمر في الإدارة والتسيير، ويساهم في وأد القدرة على التنافسية ويؤدي إلى عواقب سلبية أخرى على مستوى تطوير الشركة. وبلغة الأرقام، تتحدث الصحافة المحلية عن كون عدد النساء اللواتي يتعرضن لسوء المعاملة يتجاوز مليون امرأة سنويا وأن 68 في المائة منهن يعانين من إصابات جسدية، و57 في المائة يتعرضن لسوء المعاملة يوميا، و70 في المائة منهن تعرضن للأذى من قبل أزواجهن. وحسب إحصائيات قامت بها معاهد متخصصة، فإن أزيد من 40 ألف امرأة لقيت حتفها بالبرازيل بسبب العنف الموجه ضد النساء خلال الفترة الممتدة من سنة 2001 إلى 2010 التي بلغ فيها العنف ضد النساء مداه؛ حيث سجلت مقتل امرأة كل ساعة. ويتساءل المتتبعون لواقع المرأة بالبرازيل عما إذا كانت نساء هذا البلد حريصات أكثر من غيرهن على أن يكن في أبهى حلة لدرجة أن أزيد من 50 في المائة منهن مستعدات لإجراء عمليات التجميل، وفي المقابل يتناسل السؤال التالي ... أوليس ذلك بكاف لأن يشفع لهن لدى الرجال كي ينظروا إليهن بعين "المودة" وبخضين منهم بالمعاملة اللائقة ..؟.