كثيرة هي الأمور الثمينة التي نمتلكها ولا نشعر بقيمتها، ونتطلع لما في يد الآخرين، وكثيرة هي احتياجاتنا التي تنسينا عظمة ما نملكه، لأننا فهمنا الطموح بشكل خاطئ تماماً، وهذا الفهم أدخلنا لمعضلة الجشع والطمع. أتحدث عن الجوانب المادية، حيث نسمع من يملك منزلاً ويتحسر لأنه لا يملك منزلاً في المنطقة الفلانية، أو ذلك الذي يركب سيارة آخر موديل ويتألم لأنه لا يملك سيارة من ماركة أكثر رفاهية وفراهة من التي معه، ويمكن أن أعدد الكثير من الأمثلة في هذا السياق، لكن غفلتنا عن قيمة ما نملك أيضاً في جوانب أخرى غير المادية، وأقصد بها الجوانب الشعورية النفسية الروحية، وهي أمور تجلب البهجة والسرور أو العكس دون أن ندرك عظمة أثرها على قلوبنا وحياتنا بصفة عامة.
بين يدي كلمات عن حياة هيلين كيلر، وهي أديبة ومحاضرة وناشطة أمريكية تعتبر قصة حياتها رمزاً إنسانياً بالغ الأهمية في الإرادة والتحدي حيث كانت فاقدة للسمع والبصر وتمكنت من التغلب على إعاقتها ومقاومة ظروفها الحالكة، في مقالة لها حملت عنوان: لو كان لي أن أرى ثلاثة أيام، تقول: «اعتدت من وقت إلى آخر أن أختبر أصدقائي المبصرين لأكتشف ماذا يشاهدون. كنت مؤخراً في زيارة لإحدى صديقاتي التي كانت عائدة لتوها من أحد الحقول، وعندما سألتها ماذا شاهدت؟ أجابتني لا شيء على وجه التحديد. كدت لا أصدقها لو أنني لم أعتد سماع هذا الجواب من غيرها. فقد توصلت منذ وقت طويل إلى قناعة بأن المبصرين لا يرون
إلا القليل.
دائماً أتساءل كيف يمكن أن نمشي مدة ساعة بين الحقول ثم لا نشاهد شيئاً جديراً بالملاحظة؟! أنا الإنسانة العمياء أجد مئات الأشياء التي تشد انتباهي من خلال حاسة اللمس فقط. وأحياناً يقفز قلبي شوقاً لمشاهدة هذه الأشياء! إذا كنت أحصل على متعة من مجرد اللمس فأي جمال سيتكشف لي من حاسة اللمس فقط. ولكن الأشخاص المبصرين مع الأسف لا يرون إلا القليل. ربما هي صفة بشرية ألا نشعر بأهمية ما نملك ونتوق لما لا نملك! من الخسارة أن تستخدم نعمة البصر في عالم النور كمجرد وسيلة لتسهيل المعيشة وليس أداة لإضافة بهجة للحياة». بهذه الكلمات لهذه الإنسانة العظيمة والتي أحث الجميع على الاطلاع على سيرة حياتها، خصوصاً كل فتاة وشاب في مقتبل العمر، وأخيراً لنحمد الله على ما نملكه وما هو بين أيدينا