الارشيف / عالم المرأة / أخبار المرأة

فلنواجه التنكيل بالمصريات

  • 1/2
  • 2/2

منذ حوالى شهر صدر تقرير عن رويترز وصف وضع النساء المصريات بالأسوأ بين نساء العالم العربي، وركز التقرير على وجود تحرش جنسي يومي في معظم مدن مصر، وأن هناك استغلالًا للنساء يصل إلى أن هناك قرى كاملة في ضواحي القاهرة أساس نشاطها الاقتصادي التهريب والتجارة بالنساء، والزواج القسري، وبالرغم من أن وجود ردود أفعال منددة بهذا التقرير من أطياف وأقلام متنوعة الاتجاهات والمشارب إلا أنني أجد المؤشرات المستخدمة حقيقية، وأراها رأي العين واقعًا فى حياتنا اليومية، بالشكل الذي يدفعني لأن أغامر وأسمي ما تتعرض له النساء المصريات تنكيلاً بالرغم من ثقل وطأة الوصف.
هو بالفعل نوع من التنكيل لأننا لسنا بصدد الحديث عن إمكانيات منع التمييز أو جلب المساواة، فهي صارت أمورًا لا محل لاحتمال وجودها إلا فى نصوص دستورية أو ديباجات قانونية هي غالبا موضوع للانتهاك وعدم الاحترام. النساء المصريات فى وضع سيئ بالفعل ويجب الوقوف على مستوى تدهوره بالأمانة التى تليق. والتنكيل الذى أعنيه هو العقاب الشديد الواعي، وهو فعل مادي تتعرض له النساء المصريات فى علاقتهن بالمجال المادي العام، الشارع والعمل والمواصلات، ويبدأ بالضيق من حضورهن فيه والتساؤل عن سببه  والضجر منه ويمر بالتضييق على هذا الحضور وينتهى بالتحرش اللفظى أو الاعتداء الجنسي وصولا للاغتصاب فى حالات تتزايد الآن باطراد.
والواقع أن أزمة النساء المصريات تزداد سوءًا يومًا بعد يوم حتى وإن أخذنا بالمقارنة العربية، فنساؤنا فى منطقة وسط بين مجتمعات  تقليدية صرف ومجتمعات قطعت أشواطا جادة فى التحديث. فلا يوجد نظام السوق الذي يوجد فيه الحد الأدنى من التنافس المنصف الذي يسمح باستيعاب النساء تدريجيا داخله. ولسنا فى مجتمعات قبلية تفخر فيها المرأة بنسبها فتجد داخل هذه البنية ولو بالزيف مجالا للحماية المستندة لنظام تقليدى قديم ومفهومة تفاصيله للكافة،  كحال دول الخليج، ولا نحن فى ظل دولة قوية تحمي وجودهن  فى المجال العام واستحقاقاته مقابل تسخيرهن فى خدمة مشروعها التنموي،  كما فى تونس أو كما في مصر الستينيات، بل فى الواقع أصبحت أجزاء من الدولة المصرية- وتحديدا أفراد شرطتها- طرفًا يوميًا فى التحرش والاعتداءات الجنسية على المواطنات.
النساء المصريات غير مرحب بوجودهن فى المجال العام، يكفى النظر لنسبة تواجد النساء فى شوارع قلب المدينة فى ساعات الذروة، وسنجد أنها نسبة خافتة لن تتجاوز الخمس، بغض النظر عن سن النساء أو ملابسهن أو كونهن يتحركن بصحبة رجال، شرط أنهن جميعا يتحركن فى تأهب يشير إلى أنهن خائفات من شيء ما. مترو الأنفاق مثال واضح على خفوت نسبة حضور النساء فى ظل وجود نوع من الفصل الواضح بين الجنسين فى عرباته مع استثناءات نادرة، فللنساء عربتان وللرجال الباقي. خفوت نسبة حضور النساء فى الشارع إذا قارناه بأي مدينة حديثة حيث نسبة النساء لا تقل عن 40% يشير إلى الاحتقان الحاصل في المجتمع الذي يؤدي بالتداعي المنطقي إلى الاعتداء على هذه الأقلية، فيأتي التحرش كظاهرة عنف وطرد واستباحة، أكثر منه ظاهرة كبت جنسي، وإلا لماذا امتدت الظاهرة الجماعية لأطفال مدارس دون سن المراهقة؟، كل هذا في ظل مجتمع شرط إحساس الذكور فيه بالطمأنينة والأمان نحو نساء بيتهم وذويهم هو أن يكنّ داخل جدران منازلهن بعيدًا عن «مخاطر الشارع».
نظامنا الاجتماعي المهيمن عليه بطبيعة الحال من الذكور في حالة أزمة واحتقان حقيقية إزاء النساء، ليس لأنه يشهد ردة ويريد العودة بالنساء إلى المنازل مثلا، بل لأنه لا يعرف بالضبط ماذا يريد منهن. فلا هو يمتلك المقومات المادية لتوقير النساء فى المنازل أو بالعامية «تستيتهن» ولا هو على قدر مواجهة استحقاقات وجود النساء في سوق العمل والمجال العام من قبول وتشجيع، فأنتج اضطرابا وقلقا تحول إلى عدوانية غير مسبوقة. بل إننى أدعي أان تلك العدوانية زادت معدلاتها مع وجود نوع من التوافق الاجتماعي حول إقرار وجود النساء فى سوق العمل فانتقلت النساء المصريات مع هذا الإقرار من مرحلة التمييز إلى مرحلة التنكيل الذى صرنا معه فى منطقة عدم واحتقان أبدي لاعودة فيه للقديم كبنية قيم وممارسات بأكملها على غرار السيد أحمد عبدالجواد وزوجته أمينة، ولا قبول فيها بالحديث بنتائجه وتضحياته.
منذ أيام كنت أسير فى شارع بورسعيد فى القاهرة، ومرت أمامي فتاة لا يبدو من سمتها وملابسها الفضفاضة وطرحتها متنافرة الألوان غير أنها مصرية  مدينية من عوام الناس، رأيتها وقد مرت أمام أحد أفراد الشرطة الذي رماها بدون أي مناسبة بلفظ بالغ البذاءة والانحطاط، وعلى وجهه ابتسامة الواثق المنتصر، فما قامت الفتاة إلا بالنظر إليه نظرة كلها اليأس والاشمئزاز ثم مضت تتحدث فى هاتفها المحمول قائلة «أنا مش طايقة البلد دي يا هدى أنا بقيت باكرهها باكرهها باكرهها باكرهها»، تقريبا كررتها فوق عشر مرات.
حسنا طالما أن هذه الفتاة بحسب محدودية دخلها البادي عليها لن تستطيع مغادرة مصر، وطالما أن عسكري الشرطة يتحرش بها لوجه الله تعالى، وطالما أننا بصدد واقعة أظن أنها يومية وتتسم بالتكرار لها ولغيرها، وأنها أعلنت كراهيتها لمصر إحدى عشرة مرة فى جملة واحدة، فماذا نحن فاعلون وماذا ننتظر منها؟. وحديثي غير موجه بالطبع للدولة المصرية في طورها الحالي حيث يمارس القائمون على الأمن فيها صنوفا من الجور والتنكيل بالمواطنين عامة باسم محاربة الإرهاب واسترداد هيبة الدولة، وبالتالي لا مجال لحمايتهم للنساء، بل إن الاعتداء عليهن يمكن أن يكون جزءا منطقيا من حزمة هذه الممارسات الجائرة، رغم أن حماية النساء فى الشارع من المفترض أنها من أبجديات هيبة الدولة. حديثي موجه لكل الأفراد والقوى التي تدرك جسامة الوضع، ولكنها مازالت تستشعر حرجا في طرحه كما هو، وبالصراحة اللائقة وبالأفق اللازم لتجاوزه والذي يجب أن يحمل فيه أولا إجابة لسؤا: ماذا يريد المجتمع من النساء؟، فى ضوء أننا فى عام 2013 حيث تشكل النساء ربع قوة العمل الرسمية، وأكثر من ذلك كثيرا إذا أخذنا فى الاعتبار القطاعات غير الرسمية.

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى