بعيدا عن الجدل القائم في أبعادها الفكرية والحقوقية وما يدعو له البعض من دعم وتعزيز لمكاسب المرأة التشريعية التي تحققت للمرأة، فإنّ أصل العلاقة القائمة بين الرجل والمرأة ككائنين مختلفين وضرورين لوجود المجتمع الإنساني لازالت تخضع لسلوكيات وخلفيات فكرية ونفسية تكرّس استعباد المرأة بأكثر الأشكال المهينة، رغم أن المجتمعات العربية شهدت تحديثا بفضل الثورات التكنولوجية المتتالية تراجعت فيها بالفعل بعض البنيات الاجتماعية التقليدية والمتخلفة التي كرست استغلال المرأة بأبشع الطرق، إلا أن هذا لم يقوّض النظام الذكوري بل بالعكس استعاد عافيته وقدراته ليستمرّ في قمع المرأة بأقنعة عدّة.
إذ لا يمكن الحديث عن تحرر المرأة خارج إطار تحرير جسدها والسموّ به عن النظرة التبضعية التشيئية وأيضا عن النظرة التقديسية الجنسوية، والسمّو به إلى كيان مستقل بذاته بعيدا عن المحاذير الأخلاقية والدينية. بل وجب التعامل معه باحترام وإيجابية تضمن لصاحبه اعتباره الكامل كإنسان متوازن ومكتمل الشخصية، "فلا يمكن الحديث عن مجتمع حرّ تكون فيه المرأة مستعبدة" على حدّ تعبير ماركس. .
فهل يعقل الحديث عن مستقبل إنساني متحرّر من الاستبداد والتسلط مازال يستخدم فيه الله والأديان لقهر النساء؟ وهل يعقل ان نتكلّم عن نضال مشترك لقيم المواطنة في ظلّ ما يستبطنه بعض الرجال من غايات انتهازية مقيتة تكرّس استغلال جسد المرأة كمدخل لاستعبادها وبالتالي إعادة إنتاج نمط مجتمعي قروسطي متخلف؟؟؟
ربما كانت هيمنة النظام الذكوري - الذي فرض العلاقة العمودية مع المرأة والتي تمثل أساسا مبادئ عدم التكافؤ واللامساواة مع الرجل على أساس أنها كائن دوني- ما جعلها معظم الوقت قابلة لسيطرة الفكر الأبوي وخاضعة لقوانينه.. في هذا الإطار أطرح السؤال: لمن لا يوافقني الرأي وينكر وجود النزعة التسلطية :لماذا يدين المجتمع علاقة بين رجل وامرأة أقيمت على أساس رغبة مشتركة في الحبّ والانسجام العاطفي والجسدي ويفضح المرأة ويتستّر على الرجل ...ترى ماهي القيمة المضافة في جسد الرجل ليحظى بحصانة وحماية مجتمعية؟
ما ساهم بعض فقهاء الدين في تقزيم المرأة وأعادوا إنتاج معان تراثية متخلفة تنال من إنسانية المرأة وتحطم كل امالها في الارتقاء بوضعها رغم ما حققته من مكاسب من تشبهيها بالشيطان واتهامها بأنها رمز للفتنة والإغواء.. فهل من المعقول ونحن في القرن 21 أننا مازلنا نستمع إلى أحاديث دونية تنسب إلى الرسول لتسبغ على نفسها قدسية في حربها على المرأة من قبيل: "ما تركت بعدي فتنة أضرّ على الرجال من النساء"، أو "المرأة تقبل وتدبر في صورة شيطان".. وهي أحاديث وردت في صحيح البخاري يستخدمها الآن شيوخ الظلام وينشرونها في فضائيات النفط والدولار.
هذه المكانة الدونية التي تحظى بها المرأة في الإسلام الشعبي البسيط الذي تنشره جهات معلومة وأخرى مجهولة كرّست قيمة المرأة كمفعول به في كلّ المجالات من السياسي إلى الاجتماعي وصولا حتى إلى الجنسي.
أتوجه بالسؤال بالتالي : أليس من المجدي أن تحرّر المرأة من الحقل اللغوي - على أساس أنها فريسة وأداة للفعل الجنسي وليست شريكة فيه - من عبارات من قبيل "حرث" و"وطء" و"نكاح ومضاجعة" وما إلى ذلك من المظالم اللغوية التي تقدّس الاله القضيب الذي يغزو جسد المرأة ويطرحه أرضا للنيل منها في كل الحالات وفق الفهم الذكوري بطبيعة الحال؟؟؟
في ظل ما سبق نتأكد أن المرأة كيان يذوب بنير الاستعباد والتسلط، ولكن دعني أكمل سلسلة الأسئلة الحارقة التي تقض مضجعي في كل ليلة تقريبا :
كيف يمكن لطفل أن يحترم أمّه أو أخته وهو يرى أباه لا يحترم المرأة؟؟ كيف يمكن أن نحترم رجل فكر تقدّميا ومدافعا عن القضايا النسوية في محاضر جلساته وهو من اللاهثين وراء المتعة الجنسية الرخيصة؟؟
كيف يتحمل ضمير إنسان أوجاع امرأة استخدم جسدها مرّة واحدة لإخماد شهوة حيوانية رخيصة وهي تعتقد أن هذا فاتحة حبّ؟؟؟
أليس من وجهة نظر علم نفس الاجتماع أن يستمتع الرجل برؤية امرأة ترتدي البكيني على لوحة إشهار أو في شريط سينمائي وينزعج في ذات اللحظة أيما انزعاج بمجرد أن يفكر أن هذا اللباس يمكن أن ترتديه أمّه أو أخته.. أليس هذا انفصاما في الشخصية ؟؟؟
إن المعركة الهادفة إلى إقرار الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والسياسية للمرأة لا يمكن أن تضمن التكريس الفعلي لهذه الحقوق، بل يمكن أن تجدها عرضة دائمة للتراجع والضياع بدون طرح هذه المسألة من وجهة نظر ثقافية مجتمعية يتربّى عليها الناشئة وتفتح واجهاتها في كلّ الفضاءات الإعلامية والثقافية والتربوية والعمومية عامة .