بعض المواقف الحياتية من السهولة في إدراكها تدهش عندما تسمع بقصة أن هذا الموقف سبب صدمة عاطفية، أو استدعى علاجاً نفسياً طويلاً، لمعالجة آثار وذيول هذا الموقف. أعتقد أني لم أوفق للإفصاح عما أرمي إليه، سأضرب مثالاً لعله يوضح الذي أريد الوصول إليه، فتاة في مقتبل العمر أنهت تعليمها الجامعي بتقدير امتياز، ودخلت دورات تدريبية عدة لتؤهل نفسها للحياة العملية، وبالفعل لم يمض وقت طويل حتى وجدت وظيفة مميزة تستطيع من خلالها خدمة بلادها، وأيضاً تنمية معارفها والشعور باستقلاليتها ومكانتها، بل الشعور أن التعليم الذي حرصت طوال سنوات أن يكون مميزاً قد أينع وقطفت ثماره، لكن الذي حدث في مسيرة هذه الفتاة أنه تقدم لها شاب في مقتبل العمر وطلبها للزواج، ومضى بعض الوقت، وكان الطرفان قد اتفقا على التفاصيل كافة لحياتهما الزوجية الجديدة.
انتقلت الفتاة لمنزل زوجها، ومضى الشهر الأول فالثاني فالثالث، وعندها بدأت تلاحظ تغيراً في سلوكيات شريك الحياة، أولاً من الصعوبة في الحديث معه، ثانياً في وجوده معظم الوقت خارج المنزل، لكن الذي دهور علاقاتهما الزوجية برمتها هو إصراره أن تترك زوجته عملها وتتفرغ لخدمته، هكذا، وبكل بساطة.
تطورت المشكلة ووصلت بطبيعة الحال لأسرة الزوج ولأسرة الزوجة، وأولى الصدمات التي حاقت بهذه الفتاة مفاجأتها أن شقيقات زوجها يطالبنها بترك وظيفتها والامتثال لطلب شقيقهن.
غني عن القول إن بعض الشقيقات متزوجات ولديهن وظائف، ولن يفرطن بها من أجل زوجهن، بل وأبي أطفالهن الذي صدم هذه الفتاة، وجعلها تنهار ليس موقف أهل زوجها، ولا موقف الزوج نفسه، بل الذي جعلها تراجع حياة الطب النفسي هو سهولة طلاقها وحملها للقب مطلقة، وحتى هذا اليوم لديها علامة تعجب، وعلامة استفهام أكبر عن الذنب الذي اقترفته حتى يتم طلاقها بعد بضعة أشهر من الزواج.
ما أقوله لهذه الفتاة ولمثيلاتها الكثيرات: لا ذنب عليك، كل ما في الأمر شاب متواضع الثقافة والتفكير اقترن بك، وكان يعتقد أنك ستخضعين له، وتمتثلين لأمره وتتركي وظيفتك، ليكون رأسك وحياتك بيده يصرفها كيفما يريد، ثم تأكدي أنه سيرميك ويطلقك، لكن بعد أن يحطمك أكثر، لقد اتخذت القرار الصحيح الصائب، فانظري لحياتك وللأمام، وتوقفي عن لوم نفسك، لست ملامة أبداً، الملام الحقيقي هو الذي لم يبلغك عن النماذج السيئة في مجتمعاتنا العربية، وتركك تتجرعين الصدمة تلو الأخرى.