استغرقت دراسة المشاعر الإنسانية من علماء التربية والعلوم الاجتماعية والنفسية الكثير من الجهد والعمل ومحاولة الفهم منذ عصور ماضية حتى يومنا، وظهرت نتائج غير مقنعة أو توجد دوماً آراء علمية أخرى ترفضها أو تتوقف أمامها. ببساطة متناهية فإن النتيجة متواضعة، ولنسأل ما السبب؟
أعتقد أن السبب هو الإنسان نفسه الذي لا يمكن بأي حال من الأحوال فهم شعوره وميوله ورغباته وتطلعاته، فكل واحد منا يختلف عن الآخر، هناك من له مبادئ وقيم يتمسك بها بقوة، وآخر له مبادئ وقيم أقل حدة، وثالث يفهم ويشرح القيم والمبادئ بطريقة مختلفة ويضعها في سياق خاص به، ويوجد من هو طيب وخلوق ويعبر عن هذه الطيبة وفق تفكيره ودرجة ذكائه واطلاعه وفهمه للحياة، وهناك من يشهد له بدماثة الخلق وفي الوقت نفسه يوصف بالقسوة والانفعال وسرعة الغضب، وغيرها الكثير من الصفات كالحسود والشرير وضيق الخلق .. إلخ.
حاولت وتحاول علوم الإنسان الأنثروبولوجيا أن تدرس الإنسان، وهي في سعيها تذهب لأبعد نقطة .. تدرس حتى الحفريات والبقايا، ومكث الكثير من العلماء وعاشوا في القرى البدائية فضلاً عن دراسة الخصائص الجسمية والشعوبية، وهناك قسم مهول وكبير في هذا العلم درس السلوك، والهدف هو فهم هذا الإنسان.
لذا يرى بعض العلماء أن علم الإنسان من أكثر العلوم الإنسانية صعوبة وفهماً، وأكثرها تعقيداً لأنه يتعامل مع الإنسان الواعي الذي يملك عقلاً، فلا يستطيع أن يضع قانوناً يشمل ويلم بجميع الناس جميع الصفات والأشكال الإنسانية، ولا يستطيع أن يضع نظرية تتنبأ بجميع التصرفات البشرية، وعند محاولة قياس سلوك الإنسان فإنه يعي مراقبتك وترصدك فيحسن من سلوكه أو يغير من طريقته فلا تكون دراستك دقيقة تماماً، وبالتالي فإن نتائجها تكون مخالفة للواقع المتجرد.
بالمثل عندما تقوم بعمل استبانة تحاول من خلالها رصد مشاعر ورؤية وتطلعات وآمال ومخاوف هذا الإنسان، فإنه لا يكون دقيقاً حيث تكون إجاباته مثالية وبعيدة عن واقعه، لأن هذا الإنسان يعي تماماً ألا يفشي عيوبه ونقائصه، وهذا يسبب خللاً في الدراسة ومن ثم نتائجها، وهنا مكمن الصعوبة. في علوم أخرى كعلم الحيوان، عفوية الحيوانات وعدم مبالاتها ميزة في تقديم نتائج مثمرة تفهم سلوكيات مختلف الحيوانات ودوافعها وغريزتها، وإن كانت هناك صعوبات أخرى يواجهها العلماء في هذا الحقل أيضاً.
يبقى الإنسان سراً كبيراً، وفهمه معضلة أكبر، وسبر أغوار تطلعاته ورغباته ومشاعره بتجرد بعيد المنال.