حين ينكسر شيء في دواخلنا.. نصبح مذبذبين بين عالميْن.. عالم اﻷمس وعالم اليوم.. يُذهلنا ركوبنا على الذاكرة للتقدّم نحو الفراغ.. وبين العالمين نفكّر ألف مرّة.. كيف لنا أن نعود إلى حيواتنا بشكل طبيعيّ كأنّ شيئا لم يكن.. وكيف لنا أن نتوقّف عن البكاء على اﻷطﻻل..
حدّث التاريخ قال.. الإرهابيّون باسم الدين يقتلون.. والرئيس المؤقّت المرزوقي باسم منصبه السياسي يؤبّن.. وما بين الدين والسياسة اليوم حلقة غير مفقودة تُسمّى "الجهاد من أجل إرساء الخلافة".. ويا ويل من يرتدّ عن دين الدم.. وعفن العقول.. وجهل "أبناء الوطن".. سيذبحون مثل النعاج كما حصل في جبل الشعانبي مع جنود هذه الأرض الطيّبة.
في جبل الشعانبي جلس مشاريع شهداء بعد يوم متعب من الصيام للإفطار.. وهنا أفطر "الأر بي جي" على دمهم.
عملية قذرة بقذارة ما يدسّه أئمّة التطرّف من سموم في عقول شباب تونس.. والضحايا شباب من خيرة أبناء تونس..
ضرب الأمن من خلال ركائزه الأساسية.. الشرطة والجيش.. لنشر الفوضى.. ضرب الأمن من خلال التسلّل بين أفراده.. كما النمل الذي يتسلّل داخل حبّات السكر ليعلن حالة الطوارئ..
من يدفع الثمن اليوم.. 15 شهيدا من جنود تونس ذهبوا ضحيّة أجندة جاهزة منذ سنوات.. جرذان الأمس صارت لهم رؤوس.. وجيوب.. وبيوت علنيّة.. يصنعون فيها المفرقعات.. ويخبّؤون فيها الأسلحة..
دخل السلاح والحكومات التي تعاقبت نيامٌ؟؟؟
حدّث الوطن قال.. يوم حبلت اﻷرض.. استبشرتُ خيرا بالابن القادم.. سوف يُصلح ما فسد.. سوف يحرث التراب.. ويحصد سنابل الخير..
لحظة المخاض.. ردّدتِ اﻷرض أسماء الله الحسنى كُلّها.. ولم تنس اسم الرحيم والعادل.. واسم الكريم والحافظ.. لكنّ ابني وُلِد أصمّا.. لم يسمع تراتيل الأرض.. وﻻ ترانيم ترابها.. وولد أبكما يتكلّم أئمّة الجهاد بدلا عنه.. وهو آلة بين أيديهم..
خرج ابني من رحم الأرض.. فقلتُ سلاما لمنْ سيُعيد أمجادي.. ويحرّرني من نزق المارقين.. حدّثته عن عليسة وحنّبعل.. عن عزيزة عثمانة والطاهر الحداد.. علّمته قراءة تاريخي الذي جعل منه بذرة في رحم الأرض.. كما لم يقرأه أحد من قبلُ.. ليحمل المشعل من بعدهم.. ويكون ولدي.. وسندي..
يوم كبر اﻻبن.. ظننتُه بارا.. فبنيت له في قلبي مدينة.. وصنعت له سفينة.. فتحت له المنافذ ليخرج إلى البحر ليفخر أمام الجيران بي.. فإذا به ابن عاق.. كبّر على الطين وذبحه.. لبس جبّة الغريب.. دهس أمّه الأرض وقصم ظهري..
يقول نحن كفرنا.. وهو العابر نحو الجنة.. نحن صنيعة الطاغوت وهو صنيعة الملائكة.. يسكن الجحور.. ويخطّط لقتل جاره.. أخيه.. ابن عمّه.. ويخطّط لسبْي تلك الفتاة التي لعب معها في الزقاق يوما.. ويحلّل عرضها.. ودمها..كان يكفيها
زرعتُ ياسمينا.. فأزهر أشواكا دمويّة.. تحمل الضغينة لتاريخها.. كان يكفيها جرعة من غسيل المخّ لتكفر بتاريخها وتكفّرني وأهلها.. كان يكفيها حديث القرضاوي.. والشيخ فلان والشيخ علاّن.. لتجحد تعبي سنوات..
في المساجد حيث تربّى على كلام الله.. صار يردّد الطلاسم.. يعدّد أسماء إخوته.. على أنّهم أعداءه الجدد..
اليوم صار ابني أتون حقد وضغينة.. يحرق رحم أمّه.. يحرّمها على إخوته.. ويبيعها في سوق النِخاسة..
قتل أهله.. ذبّحهم باسم "الله".. أنا من علّمته أن له ربّا يعبده.. لكني لم أكن أدري أنّه سيرتدّ عن دينه كافرا بصلة الرحم بعد الله..
بُنيّ.. هل كان رحم الأرض عفنا يوم ولدت؟ لتبثّ رائحة الكره في صدرك؟ أم أنّ حبّنا كان عقيما فأنجب إرهابا يتجوّل حول سور المدينة.. يهين أصله وأهله..
يوم بكت الأمّ الثكلى جنديّها الباسل.. زغردتَ أنت على المنابر.. كبّرت وهلّلت.. أي دين سيغفر لك طغيانك.. أيّ ربّ يبيح لك دم أخيك؟ دين أبوك اسمو ايه يا من خرج من صلبي ليُعرّيني ويفجُر في بيتي؟ دين أبوك اسمو إيه يا صنيعة طيني؟ دين أبوك إسمو إيه يا من أطعمت وربّيت وعلّمت؟
أنا الوطن يا بُنيّ.. أمازلت تذكر لي خيرا.. أيّها الابن غير "البار"؟