يفوق المثل المغربي الشهير في تقديره لمكانة المرأة في المجتمع نظيره العربي، ففي الوقت الذي يجعل فيه المثل العربي المرأة وراء كل رجل عظيم، فإن المثل المغربي يجعلها أصل كل شيء في الحياة، ويقول: «الرابح من المرأة، والخاسر من المرأة». كما أن الثقافة الأمازيغية المتجذرة في المغرب تمنح المرأة رتبة الزعامة في الأسرة إذ تسميها «تمغارت»، أي: الزعيمة. بينما لا يسمى الرجل في اللغة الأمازيغية بـ«أمغار» إلا إذا كان فعلا زعيما قبليا، إذ يدعى فقط بـ«أركَاز» أي: الرجل.
أصابت الخيبة تطلعات المرأة المغربية في عهد حكومة عبد الإله بن كيران، وبدأت الانتقادات أول ما بدأت على مستوى التمثيلية العددية للنساء في الحكومة. ففي أولى حكومات المغرب بعد موجات الإحتجاج التي أنطلقت في المنطقة المغاربية في سياق «الربيع العربي» كان نصيب النساء حقيبة وزارية وحيدة- هي وزارة المرأة- من أصل 32 حقيبة. ورغم أن المرأة الوحيدة في الحكومة كانت من حزب العدالة والتنمية الإسلامي نفسه، فقد تلقى الحزب الذي يقود الإئتلاف الحكومي نصيبه من الإنتقاد الذي كان يرد عليه من موقع قوة كون المرأة الوحيدة في الحكومة تنتمي إلى العدالة والتنمية. لكن طبيعة الإنتقادات وحدتها سرعان ما تطورت بعد النسخة الثانية على خلفية التعديل الوزاري إثر انسحاب حزب الإستقلال من الحكومة شهر أيار/مايو من سنة 2013، حيث أصبح عدد النساء في النسخة الثانية للحكومة 6 وزيرات، لتطال الإنتقادات هذه المرة طريقة تعاطي حزب العدالة والتنمية مع قضايا المرأة.
وفي حوار لـ«القدس العربي» أكدت بسيمة الحقاوي، وزيرة التضامن والمرأة والأسرة والتنمية الاجتماعية، أن الوزارة ماضية قدما في تحقيق الإنصاف والمساواة في إطار خطة «إكرام» وأنها تلقت نحو 100 مذكرة من هيئات المجتمع المدني في مختلف القضايا التي تهم المرأة، كما أستقبلت الوزارة العشرات من الجمعيات النسائية قصد التشاور والتنسيق.
وأشارت إلى أن ملف العنف ضد النساء يظل من بين أبرز الملفات التي اشتغلت عليها عقب توليها المهام الوزارية، حيث «تم في هذا الصدد إنشاء المرصد الوطني لمكافحة العنف ضد النساء، وتقديم مشروع قانون لمحاربة العنف ضد المرأة. إضافة إلى مرصد تحسين صورة المرأة في الإعلام».
وأشارت الوزيرة إلى أن «قضايا المرأة تنطوي عل إشكالات، وتعرف تجاذبات سياسية، إلا أن وضع المرأة في السنوات الأخيرة شهد عددا من التغيرات وإرتفاعا لنسب التوعية الإعلامية». لكنها تسجل تحفظا على بعض الصور النمطية المسيئة للمرأة والمنتقصة من مكانتها في المجتمع، كما أعتبرت أن بعض الفاعلات في المجالين السياسي والاجتماعي «أكثر ذكورية من الرجال». وحول الإنتقادات التي وجهتها جمعيات نسائية إلى الوزارة لعدم إشراكها بشكل فعال في مشاريعها علقت الوزيرة قائلة أنها تتفهم «سعي هيئات المجتمع المدني لما هو أفضل، غير أن ذلك لا يعني أننا لا نقوم بواجبنا بإشراك كل الفاعلين».
وفي الوقت الذي تواصل فيه وزارة التضامن والمرأة والأسرة والتنمية الاجتماعية اشتغالها على القضايا الملحة للمرأة التي ظلت تتطلع إلى مستقبل تنموي يعزز مكانتها ويحفظ حقوقها في المجتمع، عرفت الإنتقادات الموجهة إلى طريقة تعاطي حزب العدالة والتنمية مع قضايا المرأة محطتين بارزتين في النصف الأول من ولاية الحكومة. الأولى ضد الحبيب الشوباني، الوزير المكلف بالعلاقات مع البرلمان والمجتمع المدني عن الحزب نفسه، الذي منع الصحافية خديجة الرحالي شهر نيسان/أبريل الماضي من ولوج قبة البرلمان بداعي أن لباسها «غير محتشم». وصرحت الرحالي أن الشوباني خاطبها بالقول: «لباسك غير محتشم ويمس سمعة البرلمان» طالبا منها مغادرة المؤسسة التشريعية على الفور لأن لباسها «لا يليق بمؤسسة عمومية». ما أثار إستياء العديد من الصحافيين والفعاليات الحقوقية والسياسية في البلاد.
وقد أدانت اللجنة التنفيذية للإتحاد الدولي للصحافيين (IFJ) من العاصمة البلجيكية بروكسل، ما وصفتها بـ«التهجمات المتتالية من طرف الحكومة المغربية على المرأة الصحافية في المغرب». مشيرة إلى أنه بعد إطلاعها على التقرير الذي قدمته منية بلعافية، رئيسة مجلس النوع الاجتماعي في الفيدرالية، والذي قدم حالة الصحافية الرحالي كمثال لتعرض المرأة للتعنيف اللفظي من طرف الوزير المكلف العلاقات مع البرلمان. وأيضا «التهجمات المتواصلة على الإعلام، بصفة عامة، والمسلسلات، التي تقدمها القنوات التلفزيونية، بشكل خاص، من طرف وزير الاتصال، والتي تركز على صورة المرأة».
وأعتبر بيان الاتحاد أن «هذه السلوكيات والتصريحات تمثل انتهاكا خطيرا لكرامة المرأة الصحافية، وللنساء عموما». وطالبت اللجنة الحكومة باحترام التزاماتها في مجالات المساواة بين الجنسين وحقوق الإنسان، والكف عن «استعمال مسألة صورة المرأة لتبرير رؤية وسياسة رجعية». مناشدة إياها «العمل من أجل حل المشاكل الحقيقية التي تعترض حرية الصحافة والخدمة العمومية واستقلالية الإعلام وحماية الصحافيين من الاعتداءات الجسدية المتكررة التي تمارسها قوات الأمن ضدهم، بدل الإنكباب على لباس الصحافيات وصورة المرأة في القنوات التلفزيونية».
وواصل بيان الاتحاد الدولي للصحافيين انتقاد التعاطي الحكومي مع المرأة وصولا إلى تصريحات عبد الإله بن كيران، رئيس الحكومة المغربية، حول عمل المرأة كأبرز محطات الانتقاد الذي نالته الحكومة في هذا الباب. وذلك على خلفية تصريحات بن كيران حول عمل المرأة شهر حزيران/ يونيو الماضي من داخل مجلس المستشارين- الغرفة الثانية في البرلمان المغربي- في جوابه خلال جلسة الأسئلة الشهرية حول السياسات العمومية. وكان موضوع السؤال المقدم من ممثل فريق الأصالة والمعاصرة (معارض): «قضايا المرأة المغربية في برامج وسياسات الحكومة». حيث أكد بن كيران على حق المرأة في التعليم والشغل مع إشارته إلى ما وصفه بـ«إشكاليات أخرى خلقتها المعاصرة»، مضيفا أنها «في دول أخرى أوصلت إلى فقدان أمور أساسية في حياة الأسرة والمجتمع». مستنكرا أن يعاب على حزبه إيلاء «الأهمية الكبرى للبعد الأسري في نظرته إلى المرأة» وأنه إن كان ذلك خطأ «فنحن نتبنى هذا الخطأ ونعتز به، وسنبقى ندافع عنه في وجه هذه المعاصرة التي تريد إلغاء هذا البعد». مبينا أن المرأة في أوروبا «لم تعد تجد الوقت لتتزوج أصلا، ولكي تكون أما ولكي تربي أولادها»، معتبرا دورها ذاك «مقدسا». وأن «النساء لما خرجن من البيوت، انطفأت البيوت»، وأنهن بمثابة «ثريات» في منازلهن.
وخرج العشرات من الناشطات والناشطين الحقوقيين بعد أيام من تصريحات بن كيران للإحتجاج أمام البرلمان المغربي بدعوة من «التحالف المدني لتفعيل الفصل 19» وينص الفصل على أن يتمتع الرجل والمرأة، على قدم المساواة بالحقوق والحريات المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية، سواء الواردة في الباب الثاني المخصص للحريات والحقوق الأساسية، أو في الاتفاقيات والمواثيق الدولية التي صادق عليها المغرب في نطاق أحكام الدستور وثوابت المملكة وقوانينها.
ورفعت المحتجات بطاقات حمراء كبيرة كتب عليها شعار الوقفة: «بن كيران حدك تما» (اِلزم حدودك)، بينما حملت بعضهن بعض أواني المطبخ للإحتجاج. وقد وجهت جل الشعارات إنتقادات لاذعة لرئيس الحكومة ولحزبه الإسلامي، من قبيل: «إدانة نسائية للأفكار الظلامية»، «لا عدالة ولا تنمية، باراكا (يكفي) من الرجعية»، «المرأة قضية وليست حملة إنتخابية» و«أنا لست ثريا» ردا على تشبيه بن كيران.
وفي الوقت الذي أدانت فيه شخصيات حقوقية وسياسية تصريحات رئيس الحكومة، تنوعت ردود الفعل حولها. لا سيما على مواقع التواصل الاجتماعي، وقد أنتقد قسم كبير منها «النظرة السطحية لرئيس الحكومة لمسألة عمل المرأة». فقد أشارت بعض التعليقات إلى أنه «لو وجدت تلك المرأة الإحترام التام والإستقلال المادي والإعتراف بما تقدمه في سبيل لم شمل أسرتها، لما خرجت إلى سوق العمل ولما فضلت أن تقسم الجهود بين بيتها وعملها لكي تحفظ كرامتها». أما فيما يخص الوقفة الإحتجاجية، فقد أعتبرها البعض جيدة، إلا أن الإشكال يكمن في «كلام بن كيران الذي تتبناه شريحة كبيرة من المجتمع المغربي، والدليل ردود الأفعال في المواقع الإخبارية. نعيش في مجتمع ذكوري، ويرى في الذكورية قيمة من قيم المجتمع المقدسة باسم الدين وأشياء أخرى. المعركة معركة مجتمعية وليست أيديولوجية.. يجب ألا نعتبر على أننا كنا نعيش في السويد، وجاء بن كيران وأراد أن يبدل المجتمع».
ورأى البعض الآخر أن تلك الوقفة لا تمثل المرأة المغربية، بل «تتاجر بقضيتها خدمة لمصالح فئوية ضيقة، تكون المرأة نفسها ضحية لها». بينما رأى البعض الآخر أن أفضل رد للمرأة على بن كيران هو «تجاهله، والاهتمام بالدراسة بشكل جيد.. فما أن يكون قد ذهب، حتى تكون الكثيرات منا مستعدات لتقديم شيء لبلادهن.. وكفى. هذا هو الرد! عليه وعلى جميع الذكوريين».
وشهدت مواقع التواصل الاجتماعي احتفاء كبيرا من الناشطين بكل من التلميذة سارة رضاد، التي حلت في المرتبة الأولى على الصعيد الوطني في امتحانات البكالوريا (الثانوية العامة) بمعدل 19.55 من 20. وأيضا هدى النيبي التي حلت بعدها مباشرة في المرتبة الثانية بمعدل 19.54 من 20. كما أن المرتبة الأولى لإمتحانات البكالوريا في فرنسا عادت للتلميذة مريم بورحايل، وهي فرنسية من أصول مغربية، بمعدل استثنائي فاق سلم النقاط ليصل 21.03 من 20.