الوصفة السحرية لمن يريد البحث عن الشهرة في وسائل التواصل الاجتماعي وتسجيلات “يوتيوب” والمقابلات التلفزيونية، هي تسويق الحرب على “المشروع التغريبي”، إضافة إلى ترديد الألفاظ المؤذية التي لا تصدر إلا من جاهل، أو من يحتاج إلى درس في الأخلاق العامة.
حامل راية محاربة “المشروع التغريبي” يتهم الصحافة العالمية بأن المرأة السعودية هي شغلهم الشاغل، بينما هو في حقيقة الأمر يكرس قلمه وصوته للمنع والتهميش والإقصاء والإلغاء والتشكيك والقذف والسب بكل شيء يتعلق بالمرأة.
في نظر بعض الدعاة، المرأة السعودية بدأت “تتفلت” وأنهم هم من سيحمونها من المشروع التغريبي، ومن كل من يريد تحقيق أجندة وطموحات غربية. المرأة في نظرهم تحولت من الستر التام إلى العمل كاشيرة (لم نكن نعلم أن كاشيرة تعني راقصة)، وإذا أرادت مزاولة الرياضة، فهي بذلك تقلد البنات في العالم الإسلامي حيث بدأت الرياضة في المدارس، وأدت إلى دعارة (لم نكن نعلم أن الدعارة منتشرة في 99 بالمئة من العالم الإسلامي).
أحد الدعاة المهووسين بفوبيا المرأة طالب بالتحرش بالنساء العاملات لتحقيق الهدف الأسمى للقضاء على “المشروع التغريبي”. إضافة إلى ذلك، قَذَفَ هذا الداعية أهالي المبتعثات ووصفهم بأبشع الصفات، واتهم قانون منع التحرش بأنه قانون مستورد من الغرب يدعو إلى الدعارة ولا يتعارض مع البغاء، بل إن الزنا فيه حلال. نعم هو نفسه من طالب أن تًفرَض على الفتى الوسيم الحصانة، واقترحَ إلباس الطفلات النقاب لحمايتهن من التحرش الجنسي! كل هذا للقضاء على “المشروع التغريبي”. اختصر فضيلته ابتعاث الطالبات بجملة (حكيمة) واحدة: “لو ترك رجل ابنته في طريق في محطة فيها عمال ستة أشهر، فهل هذا غيور على محارمه؟” لله درك يا شيخ، ما هذه العبقرية الفذة؟
اتهم العاملين في القطاع الصحي بالتحرش بنسبة تصل إلى 100 بالمئة. كيف يمكن لأي شخص أن يخرج في الإعلام ويقذف ويتطاول على الأعراض بشكل واضح، دون أن يجرؤ أحد من الجهات الرسمية على ملاحقته؟ لا أستغرب مطلقاً السكوت الرسمي من وزارة الصحة أو أي جهة أخرى، بإمكان أي داعية أن يقذف ويسبّ وزيرا في عقر داره بالوزارة، ويدعو عليه بالسرطان دون أي ملاحقة قانونية. الصمت الخجول أمام مد الفكر المتشدد المتشبع بالكراهية والبغضاء والتنطع والتخلف، وعدم التعامل الجاد مع هذا التطاول سيؤديان إلى ازدياد انقسام المجتمع على نفسه عوضا عن التكاتف لإعمار الأرض والتطور والتنمية.
أما استنتاجه الأخير والخطير فهو أن في بلاد الحرمين مشروع تغريبي منظم تقف خلفه دول تهدف إلى نشر الفجور عن طريق المرأة. بمعنى آخر، دول العالم غير معنية بتطوير الكيمياء والفيزياء والطب والصعود إلى الفضاء، بقدر حرصها على أن تعمل المرأة السعودية كاشيرة في محل تجاري!
بلغ السيل الزبى، الرأي العام السعودي طالب في شبكات التواصل الاجتماعي باتخاذ إجراءات قانونية، وسائل الإعلام تتحدث عن بدء مجموعة من الأطباء والطبيبات الإجراءات النظامية لمقاضاة الداعية. عدم اتخاذ هذه الخطوة سيجعل آخرين يتمادون على حساب سمعة من سخّروا أنفسهم لخدمة المرضى والمحتاجين.
هذه ليست أول مرة- ولن تكون الأخيرة- التي يتم فيها قذف شرائح عريضة من المجتمع باسم محاربة “المشروع التغريبي”، فقد مرت السعودية بتقليعات أخرى تم فيها تخوين أمانة الصحفيين والإعلاميين والكتّاب، بل والتشكيك في أعراضهم ووطنيتهم. في الوقت الذي يطالب فيه الرئيس العام لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عبداللطيف آل الشيخ، أعضاء الهيئة بالحرص على توعية المجتمع وتوجيههم وفق هدي الكتاب والسنة، والتعامل معهم باحترام وتقدير، والدعوة بالتي هي أحسن وفق ما يرضي الله عز وجل، كان هذا الداعية يقذف النساء والرجال والطبيبات والأطباء، وينشر تغريدات مسيئة لشخصيات عامة تحت راية منع الاختلاط والسفور والتبرج، إضافة إلى مفردات أخرى من المعيب ترديدها هنا. كل هذا حرصا على حماية الوطن من “المشروع التغريبي” الذي لابد أنه فَتَكَ بـ 99 بالمئة من العالم الإسلامي.
رسالتي للغلاة الذين يرون المرأة “غصة في حلوقهم”، علا رجب ستستمر في المشاركة في مهرجان “رمضاننا كدا” في المدينة التاريخية بجدة، مروة العيفة لن تتوقف عن التألق في الراليات الدولية، لينا المعينا كابتن فريق كرة السلة النسائي ستظل تطالب بقسم تربية رياضية بالجامعات السعودية، نادي “أتميز″ الصيفي سيستمر في تقديم برامج رياضية نسائية في كرة السلة والمضرب في الدمام، سلوى الهزاع ستظل تعالج المرضى، وبناتنا المبتعثات سيَعُدْن إلى الوطن بعد أن يحصلن على أعلى الشهادات للمشاركة في مشروعنا الوحيد: البناء والتنمية وفق المنهج المعتدل الوسطي دون خزعبلات أو هرطقات.