من المجالات الكبيرة التي اهتم بها الإنسان على مر الأزمان حتى يومنا الحاضر، فن التعامل والتواصل مع الآخرين، وهذا المجال وجد اهتماماً كبيراً من مختلف الأمم، وتوجد في الغرب أقسام ومعاهد علمية في الجامعات مخصصة لتعليم هذا الفن. ويبدأ التعليم بكيفية الحديث مع الناس وكيف اكتساب الثقة بالنفس، واللباقة والإصغاء والاهتمام، ومتى تتحدث ومتى تصمت، وأعتقد أنها مفاهيم وفنون نحن في أمس الحاجة لها اليوم.
غني عن القول إن اختلاف الطباع والاهتمامات بين الناس يتطلب معرفة ودراية بأفضل السبل للتعامل، على سبيل المثال في مجال العمل قد يوجد إنسان لديه دافع ورغبة في موضوع محدد، ولذا تجده مهتماً به ويمضي كل الوقت وهو يفكر فيه ويعمل لتحقيقه، قد تجد صعوبة عندما تحدثه في موضوع بعيد عن اهتماماته، صعوبة في إقناعه، فلا بد أن تقدر الدافع والرغبة لديه، فحتى وإن أصغى إليك فقد لا يترجم آراءك ورغباتك على أرض الواقع بشكل سليم ودقيق كما تتطلع.
هذا الفن لا يهتم بالإنسان في مجال عمله وحسب، وإنما يعطيه خبرات واسعة وأفكاراً ممتازة في حياته اليومية، فموضوع كمعرفة التأثير في الناس وكسب المزيد من الأصدقاء يعتبر من أهم زوايا وأركان هذا العلم. كيف تكسب الناس وتجعلهم يصغون إليك؟ هذا هو السؤال الذي أجاب عنه السياسي البريطاني المخضرم لويد جورج، عندما سئل عن سبب بقائه محبوباً من الناخبين البريطانيين الذين صوتوا له عدة مرات بينما رجال السياسة الآخرون في أوروبا كانوا يتساقطون في الانتخابات ويخسرون مناصبهم، فقال: «إن السبب يكمن في أنني ألائم بين ما أضعه في السنارة وبين نوع السمك»، وهو يقصد ببساطة أنه يقدم لكل شخص ما يريد أن يسمعه، وأنه يصغي للناس ولهمومهم، ويحاول العمل على حل مشاكلهم.
للتعامل مع الآخرين فنون ودروس، فقد تكون مهتماً بشخص وتشاهده يرتكب خطأ في حياته العملية أو حياته العامة، وتريد مساعدته، لكن بسبب طريقة تقديم النصيحة له قد يحدث خلاف بينكما. على سبيل المثال لو جاء صديق أو أي شخص مقرب منك ونصحك أمام الآخرين؟ ألا تشعر بالحنق عليه، لكن ماذا لو قدم نصيحته منفرداً، ألا يكون ذلك تعبيراً عن اهتمامه بك، وقد تشكره على مشاعره، هذا هو الفرق بين الأسلوبين، الموضوع هو نفسه لم يتغير، لكن الأسلوب تغير.
ما أريد أن أصل له هو أن نحاول مراعاة شعور الآخرين سواء كانوا مقربين منا أو حتى بعيدين عنا، نحاول دوماً أن نضع أرضية مشتركة من التفاهم والحوار، ولعل القاعدة الذهبية في هذا السياق هي «أحب لأخيك ما تحبه لنفسك»، كيف تريد الناس أن يعاملوك عاملهم، وستجد الفرق شاسعاً وواضحاً.