ثورتان مجيدتان، أطاحتا بنظامين ديكتاتوريين تمكنتا من مواجهة من يدعون أنهم يتحدثون باسم السماء وبشرتا بالتغير والتغيير. وبعد أن سالت الدماء الزكية لعشرات الشهداء من أجل الحرية والعدالة والمساواة، فإنه لا يمكن أن نسير على نفس المنوال الذى كان قائما قبل 25 يناير, و30 يونيو, و يجب الا نسمح بممارسات تحط من قدر الإنسان خصوصا المرأة الركن الركين لأى تقدم, والدليل على ذلك نزولها ومشاركتها للتصويت فى الانتخابات الرئاسية.
ومن الظواهر المريضة التى يعانى منها مجتمعنا ما يتعلق بالميراث والذى يتم حرمان الأنثى منه .. فهل يصح أن نتغافل عما تتعرض له النساء فى مصر من حرمان وغبن فى الميراث الذى شرعه لها ربنا؟ كيف يحدث ذلك فى بلد الأزهر والإسلام الوسطى؟ .. وقبل أن نستعرض آراء أهل الاختصاص نرصد بعض الحالات الحية الشاهدة على غياب الحق.
الإرث للولد فقط
فى البداية تقول ( سامية م. ع. ) نحن ثلاث بنات وولد وكانت والدتى - يرحمها الله - من ذلك النوع الذى يقدس الذكور وترى أن الإرث حق للولد ، المثير أنه كان علينا ليس فقط الرضوخ والموافقة بل الدعاء لشقيقنا بالتوفيق والعزة ولا نطلب منه شيئا.
والحكاية أن والدنا - يرحمه الله - ترك لنا سيارة قديمة وشقة بالإيجار وأخرى تمليك، وبيتا ليس له ترخيص بناء، وقد بنى أخى الدور الأول فيه من ماله فى وجود أبى ، الذى استخرج له عقد صحة بيع ونفاذ لثلاثة دكاكين ومخزن وصيدلية . واستمسكت والدتى بالإرث بعد رحيل والدنا ورفضت اطلاعنا نحن البنات على أى شيء يتعلق بالتركة ورغم أن إخى كان مسافرا إلى الخارج فإنها كانت تخبره فى الإجازات بما تم خلال سفره، وعندما كنت أفاتحها فى الإرث كانت تقول لى «انسى هذا الأمر تماما ولا تتحدثى فيه».
العقود المخفية
مثال آخر لسيدة، قالت ان أبى يمتلك عدة أفدنة زراعية ومزارع حيوانية يديرها أخوتى الذكور ، وقد قام منذ سنوات بتسجيل حيازة زراعية بقطعة أرض لى ولكنى لم استفد منها على الإطلاق ، ولا أعرف حدودها حيث ان أشقائي يحرموننى منها واستغلوا كبر سن أبينا وعدم درايته بما يدور من حوله وقاموا بتقسيم الأرض فيما بينهم وكأننى غريبة عنهم ،ولم يكتفوا بذلك بل أخفوا عنى كل العقود وأوراق الحيازة بحجة أننى لا أحتاج للميراث لكونى أمًا لاربعة ابناء جميعهم فى مراكز محترمة ، لكن كيف اتنازل عن حق شرعه لى الدين.
التقاليد والأعراف
مثال ثالث للسيدة سهام عبدالله وهى من صعيد مصر متزوجة وتعيش حياة كريمة فى منزل زوجها وهم ستة أشقاء أربعة من الذكور واثنتان من البنات وكلهم متزوجون ، وبعد وفاة والدهم لم يتم توزيع الميراث بينهم وفقا للتقاليد والأعراف المتبعة على ان يبقى الحال على ما هو عليه دون تقسيم متعللين بعدم تفتيت الأرض ومشاركة الغرباء فيها - فى إشارة إلى ازواجنا - وفى المحصلة النهائية فإن الذكورهم فقط الذين يستفيدون ، أما نحن الانثتان فخرجنا من المولد بلا حمص ،والمدهش أن أقرباءنا نصحونا بألا نطالب بحقنا حتى لا يقاطعنا أشقاؤنا وهذا هو حال العديد من الإناث اللاتى حرمن من ميراثهن بحجة التقاليد والأعراف.
الأمر الواقع
هناء زكى - من إحدى قرى محافظة القليوبية – تحكى: نحن أربع بنات وأخ وحيد لنا ويستحوذ على كل ما تركه والدنا - يرحمه الله - من منزل كبير وقطع أراض فى زمام قريتنا ولا يفكر أبدا فى يوم من الأيام أن يعطى أى منا حقها فى ميراث أبيها ،رغم أنه تخرج فى إحدى كليات القمة ويعرف تعاليم الدين ولكن يكتفى ببعض الزيارات لنا فى المناسبات الدينية، وعندما أرسلنا له بعض الأقارب تجنبا لمواجهته وقطع صلة الرحم لنحثه على توزيع الميراث وفقا للشرع رفض بشدة وتؤيده أمى فى ذلك، وبالتالى نمتثل للأمر الواقع حتى لا نغضب أمنا ونقطع رحمنا مع أخى الوحيد.
الجد والابن
أما محمد وهو من إحدى قرى الدلتا فيحكى أن جدى حرم أمى وأختها من الميراث وخصص تركته لإبنه ولأننى كنت أرى الظلم الواقع على أمى وخالتى فكنت أكره جدى وابنه لدرجة اننى لا أحب أن أناديه بخالى وكنت أنا وهو فى سن متقارب ولكنه تعثر فى الدراسة وتفوقت أنا مما أثار حفيظة جدى وابنه ضدى ورغم كبر سنى إلا أننى مازلت أتذكر قسوته وتعنته وجهله لشرع الله ورحم الله أمى وخالتى.
تشريعات جديدة
ويقول خالد شهاب مدير مركز الأبحاث والدراسات القانونية إن حرمان المرأة من الميراث ظاهرة قديمة قدم الأزل وموجودة منذ العصر الجاهلى وهو ما نهى عنه الإسلام إلا أن بعض القرى والبلدان خاصة فى جنوب مصر لا تزال تمنع ميراث المرأة ، ويرجع ذلك إلى تفشى الجهل والعادات الاجتماعية فى الصعيد والتى تحرم المرأة من الخروج أو العمل وتشدد عليها فى الحركة أو فى اختيار زوجها ويرون أنه لا حاجة لها فى المال الذى سوف ترثه فيمنعون عنها الميراث إلا أن هناك بعض العائلات التى لا تمنع ميراث المرأة لكنها تمنع من يرثونها.
وحدث ذلك فى مركز الصف حيث رفض أهل الزوجة المتوفاة توريث زوجها فى ميراثها على اعتبار أن هذه هى العادات والأعراف المتبعة فى عائلتهم.فى حين لو أن زوجها مات قبلها ترث هى فيه وبعد ذلك أهلها يأخذون ميراثها بعد وفاتها.
ويضيف ان الدين الاسلامى فى محكم كتابه قد نص على وجوب ميراث المرأة (يوصيكم الله فى أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين) ويفسر البعض كلمة يوصيكم من قبيل النصح وليس من قبيل الفرض، لأنها جاءت بكلمة التوصية وليست بفعل الأمر. إلا أنه يرى أن المقصود من هذه الكلمة أن يكون حظ المرأة فى الميراث على الأقل نصف حظ الذكر ويجوز للأب أن يزيد الأنثى عن طريق التوصية بأكثر من هذا النصيب خاصة أننا الآن فى هذا المجتمع تتحمل المرأة ما لا يتحمله الرجل برعايتها لوالديها ومساندتهم فى شيخوختهم وكبرهم.
كما يرى أيضا أنه يجب على الدولة سن بعض القوانين التى تحارب هذه الظاهرة وتشكيل لجان لمتابعة استلام المرأة لميراثها فى القرى التى تمنع توريثها، كما يجب على هذه اللجان أن تنزل إلى القرى وتسأل النساء المقيمات فيها عن استلامهن لمستحقاتهن من عدمه لاستحالة أن تقوم المرأة بمفردها بإبلاغ الجهات الرسمية أو رفع الدعاوى ضد ذويها الذين يحرمونها من الميراث ويشير إلى أنه فى هذه الآونة وبداية حقبة جديدة، هنا يجب أن تكون هناك تشريعات متعددة لحماية المرأة وحقوقها والتى لا ينسى أحد دورها الجليل فى الحياة الاجتماعية والحياة السياسية.
أعراف الجاهلية تسيطر
أما الدكتور محمد دسوقى - أستاذ الدراسات العليا بقسم الشريعة بكلية دار العلوم جامعة القاهرة - فيرصد جانبًا آخر من هذا الإشكال قائلا : ان الشريعة بينت حق المرأة فى الميراث بألفاظ صريحة قاطعة الدلالة ، ولكن للأسف الشديد مازالت أعراف الجاهلية تسيطر على كثير من المسلمين وبخاصة فى مصر فتحرم المرأة من الميراث أو تأخذ أقل من حقها بحجة أنها ستأخذ ميراث العائلة إلى عائلة أخرى وهى عائلة زوجها ،وهذا خطأ كبير لأن الذى شرع الميراث شرعه ليحقق فى المجتمع الإسلامى التكافل وأن يحصل كل وارث على حقه دون غبن أو ظلم والقضية حقيقة خطيرة وتحتاج إلى موقف حازم. ومعاقبة الذين لا يعطون للمرأة حقها المشروع, ولذلك ينبغى أن يصدر قرار بأن كل من يموت ويترك تركة لابد من عمل إعلام وراثة فورا، وتوزيع التركة على الورثة الشرعيين دون ظلم لأحد وكل من يسعى إلى عدم تطبيق أحكام الميراث كما شرعها الله تبارك وتعالى يعاقب لأنه استولى على مال غيره ظلما وحرم إنسانًا من حق كتبه الله له ، ومن ثم يمكن أن نحد من ظاهرة حرمان المرأة من حقها فى الميراث.
الجاهلية والفلسفة الإغريقية
واستكمالا لتلك الدعوة يؤكد رأفت حسنين- مستشار محكمة الأسرة بالإسماعيلية - أن الإسلام أعطى المرأة حقها فى الميراث بينما العصور الجاهلية قد حرمتها من هذا الحق ، وهل تعلمون أن الفلسفة الإغريقية حملت نكوصا مروعا تجاه النساء فأرسطو الفيلسوف اليونانى فى كتابه «السياسة» يعتبر المرأة مالا يورث وليست إنسانا ولا يعطيها حقوقا إلا نادرا ،وكذلك يقاربه ويؤيده الفيلسوف اليونانى أفلاطون فى كتابه «الجمهورية». أما الإسلام فقد أعطاها الحق فى ملكية الأموال والتصرف فيها دون إذن من زوج أو أب، وأعطاها الحق فى الزواج دون إكراه من أحد وأعطاها أنصبة محددة فى الإرث كالرجل تماما، ففى بعض الحالات تزيد المرأة على الرجل فى الإرث وفى بعضها تساويه وفى بعضها تقل عنه بحسب نوع القرابة ومدى قربها أو بعدها من المتوفى..وفى الحالات التى تنقص فيها المرأة عن الرجل فى الميراث يوجد مبرر قوى لهذا الأمر لوجود اختلاف بين الرجل والمرأة فى التكاليف المالية لأن الرجل ملزم بالإنفاق على زوجته أما الزوجة فغير ملزمة بالإنفاق على زوجها الفقير، وكذلك الرجل ملزم بالإنفاق على أبنائه والمرأة ليست كذلك ،وملزم أيضا بدفع مهر والمرأة ليست كذلك،وملزم بتجهيز شقة بالأثاث وملزم بمتعة عند الطلاق إلخ ، وملزم أيضا بالإنفاق على أقاربه، وعليه فإن الإسلام أعطى فى أربع حالات فقط للرجل نصيبا يزيد على نصيب المرأة.
أما الواقع العملى خاصة فى الصعيد والأرياف فيشير إلى مخالفة صريحة لتعاليم ديننا الحنيف وهناك قرى كاملة لا تعطى للمرأة أى ميراث فى الأراضى أو الممتلكات العقارية إلا عائلات نادرة وهذه ظواهر لابد من مواجهتها بحسم.
الأهرام