لم يعد مستغرباً أن نسمع ببحوث علمية تستهدف دراسة أثر مواقع التواصل الاجتماعي على المجتمعات الإنسانية، بل ومساهمة مثل هذه المواقع في دخول عادات جديدة لم تكن معروفة بين الناس، هذه البحوث لا تتم في عالمنا العربي لأنه كما يظهر فإن أقسام علم النفس وعلم الاجتماع في أكثر من أربعمئة جامعة عربية تقريباً بعيدة عن مثل هذا الهم وهذا الحقل المجتمعي المهم، بل تتم هذه البحوث في عدة جامعات في أمريكا وأوروبا وغيرهما من دول العالم.
هذه البحوث تحاول أن تقيس أثر هذه المواقع كفيسبوك وتويتر وإنستغرام وكيك، وكذلك التطبيقات الحديثة للاتصالات كواتس أب أو باث أو بلاكبيري وغيرها في العادات الإنسانية، سواء على المستوى الفردي أو الجمعي، وتذهب معظم النتائج إلى أن هناك أثراً واضحاً وعميقاً لمثل هذه المواقع وأجهزة الاتصالات الحديثة، لكن في الحقيقة وكما هو واضح لسنا بحاجة لدراسات أو بحوث لتؤكد ما هو سائد وموجود، لكن الهدف هو معرفة مدى عمق هذا الأثر وكيفية التعامل معه من قبل علماء النفس والاجتماع والتربية والآباء والأمهات، وبطبيعة الحال فإن قياس مثل هذا الأثر ومعرفة مدى الضرر الذي تسببت به مثل هذه المواقع ووسائل الاتصال يوحي بأنها عميقة وفادحة، وعلاجها يتطلب دراية ومعرفة.
فضلاً عن أثر هذه الأجهزة والمواقع في نفسية الفرد وجعله إنساناً منعزلاً بدلاً من إنسان اجتماعي، فإنها أسهمت بطريقة أو بأخرى في نشر الأكاذيب والشائعات والافتراءات، بل باتت أداة ووسيلة بيد كل مريض يحاول النيل من بلده أو مجتمعه، وقيمه، لكنها تجاوزت مثل هذا لتصبح أداة حرب تسخرها دول أو فئات وجماعات لنشر مبادئها الظلامية ضد بلد آخر.
ولتحقيق هذه الغاية يتم تجنيد المرتزقة في إدارة حسابات وهمية وصناعة مقاطع من الأفلام المفبركة أو الصور المعدلة، ومن ثم توزيعها على مواقع التواصل الاجتماعي وأيضاً عبر تطبيقات الهواتف الذكية، فيتلقاها البعض من ضعاف الخبرة والدراية والعلم، ويسهمون بنشرها دون معرفة بما تحتوي من رسائل مبطنة خفية أو إدراك لما تحتويه من أكاذيب وافتراءات جسيمة بحق بلادهم وأوطانهم. مع الأسف هذا واقع ونحن نشاهده يومياً، وتصلنا مثل هذه الرسائل، ونستغرب سذاجة البعض وتصديقهم بعض المعلومات المحرفة. نحن بحاجة ماسة لعمل دراسات عميقة لمعالجة مثل هذه الهجمات وفهم طريقة تنقلها وما تحتويه من وسائل تجذب الناس إليها، ومن ثم التصدي لها وفق معلومات وعلم وليس بطريقة عشوائية.