من الواضح أنّ المناداة بحرية المرأة و إشراكها بكافة مجالات الحياة قد أصبحَت الشغل الشاغل للكثير مِن الكُتّاب العرب، الدُعاة إلى المساواة بين المرأة و الرجل. و كأنّ هذا الكائن يعيش في كوكب آخر؛ أليست المرأة الآن وزيرة، و سفيرة، و استاذة، بل و حتى رئيسة دولة! و كما تعتلي من المناصب ما تشاء، فهي حرة في ما تشاء، في لباسها - فهي المنقبة،و المحجبة، و السافرة - و لكن، على الرغم من كل هذا الإنطلاق فما زالت، و ستظل تحلق في حدقات عيني الرجل؛ باحثة عن منفذ للحياة بين حجرات قلبه، ذاك هو الحبيب و الزوج الصديق الصدوق: أين اختفى هذا الإحساس الخلّاق الذي يجوب عينيه قبل عينيها..هل فقد الإحساس بالعرفان؟ألم تكن له حبيبة، و زوجة، و أم لإولاده! و خيمة ذكريات جميلة .. و حقيبة سفر عندما يشعر أن العالم ضده..هل أسعفتها كي تعيش..بلا حياة!! هل أنقذتها من مستنقع العزوبية إلى وحل الزواج؟ للكثير من الرجال..الكثير من الصور الجميلة لنساءٍ لم يبقَ منهن إلّا أحرف، تمثل أسمائهن و لا تمثلهنّ..فالوجوه أصبحت مكسوّة بطبقات من التخاريف المتعجرفة، و الأجسام التي أصبحت تعلوها الوقاحة، و لم يبقَ من ملابسهن سوى الماركات و النفوش، و النقوش. أثارت مجلة الوعي الاسلامي في إحدى مقالاتِها عن ازدياد حالات الطلاق في الوطن العربي نقطة مهمة، بأنه عندما تكون العلاقة بين الزوجين مجرد صورة عندها يخلو كل شيء من محتواه العقلي و عندها تفرغ تلك العلاقة الرائعة من محتواها الحقيقي فإن استقرار العاقة حينها يكون أمراً صعباً. و مع ازدياد حالات الطلاق في العالم بأسره،بالإضافة إلى العزوف عن الزواج، فإن إحصائيات الطلاق في الوطن العربي مرعبة مع كل هذه التقاليد الأسرية التي تربينا عليها من اعتبار الطلاق أمراً صعب تقبله أُسَرياً إلى أنه مكروه دينياً؛فإن أبغض الحلال عند الله الطلاق! ففي مصر وحدها، و حسب مركز المعلومات في مجلس الوزراء فإن نسبة الطلاق وصلت إلى 40% من نسبة الزواج ككل معظمها من سنين الزواج الأولى،و على نفس السياق فقد حذّر بيان لمجلس التعاون الخليجي من ارتفاع نسبة حالات الطلاق إلى 47% معظمها من الشباب،و الكويت تعد بالمرتبة الأولى خليجياً،أما عربياً فتونس احتلت المرتبة الأولى و تأتي في المرتبة الرابعة على مستوى العالم في ازدياد حالات الطلاق.
و عن الدكتور مصطفى الشكعة: من أحد أهم أسباب الطلاق هو ما يشاهده كثير من الأزواج من مشاهد مثيرة و خليعة، مما يضع الزوجة بموضع مقارنة. كما أن الكثير من المقبلين على الزواج أصبحوا يلهثون وراء الجمال،و هذا يخالف شريعتنا و سنة نبينا الذي أوصانا -عليه أفضل الصلاة و السلام- بأسس أختيار الزوجة الصالحة.عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال النبي - صلى اله عليه و سلّم -:"تنكح المرأة لأربع،لمالها،و لحسبها،و لجمالها،و لدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك." لذا فإن غياب المفاهيم الدينية بين الأزواج و المقبلين على الزواج يعد من أكبر الأسباب التي تؤدي إلى حدوث الطلاق، أو الاختيار السيء قبل الزواج. فمن الملفت للنظر أن معظم حالات الطلاق جرت لأسباب تتعلق بالرجل كالغضب،و الشك،و البخل،و عدم الصبر على تصرفات الزوجة، بدون مراعاة كونها من بيئة مختلفة عن بيئته و يتعامل معها على أساس أنها انسان آلي يستطيع التحكم به عبر "الريموت كنترول"،و بالنتيجة عدم احتمال كل منهما تصرفات الآخر، يزداد الأمر سوءاً على مر الزمن، فيتخلل الفتور العلاقة الزوجية من انقسام نفسي إلى انعدام تفاهم مما يؤدي إلى زيادة المشاكل و بالتالي تفضي إلى الانقسام الجسدي. و خصوصا في مجتمعاتنا العربية التي تفتقر إلى التوعية المبكرة بالنسبة للرجل و المرأة فيما يخص تلك العلاقة المقدسة و بالنتيجة يؤدي إلى انعدام الثقافة العاطفية. و لا ننكر إن لتسارع نمط الحياة و الصعوبات التي تواجه العائلة و خصوصاً من الناحية الاقتصادية،و شروع المرأة إلى العمل للمساهمة بالأعباء المادية للعائلة جعلها تعامل الرجل بندّية أكثر من السابق و بالتالي هذا أثر على صحتها النفسية فقد أصبح لديها وظيفتان خارج المنزل و داخل المنزل مما أرهقها معنوياً،و عاطفياً،و جسدياً. ففي السابق كانت الأمهات تربينّ بناتهنّ على أن حياة المرأة قائمة المملكة الزوجية و ووجوب الاحترام بين الزوجين و الطاعة اللامتناهية للزوج،أما الآن فقد أصبحت الأمهات و بسبب أختلاف نمط الحياة يربينّ بناتهن على أن تكون ندّاً للرجال مما أدى إلى تغيير المفاهيم الاجتماعية الخاصة بالأسرة و المنزل و المفاهيم الشرعية التي تمنع خروج المرأة من منزلها إلا بأمر الزوج و هذا سبب مهم لارتفاع حالات الانفصال و الطلاق و بحسب بعض الملفات الموجودة في المحاكم في إحدى البلدان العربية تؤكد أن تسلط الزوج هو سبب آخر مهم لحدوث حالات الانفصال و مدى تمسك هذا الزوج ببعض القرارات غير الانسانية حتى و إن كان ذلك على حساب الزوجة. و الموضوع كبير و عميق و يستوعب عدة محاور؛لكنني أضع هذه المقالة نقطة أساسية عن ما تعانيه المرأة في مجتمعاتنا العربية،فهي نواة الاسرة و الأسرة كما يعلم الجميع أنها نواة للمجتمع،فنجاح الأسرة، هو نجاح للمجتمع ككل، و صحة المرأة النفسية و الاجتماعية و العاطفية تؤثر ايجاباً على تلك الأسرة و أرجو من الله أن أكون قد وفقت في طرحي هذا. و شكراً