الارشيف / عالم المرأة / أخبار المرأة

«غربتليات».. سوريات في الغربة يلتقين على «فيسبوك»

  • 1/2
  • 2/2

انعكست الأوضاع الحالية في سوريا على السوري المغترب، وبدت تؤثر بشكل أكثر كثافة عن ذي قبل في تنظيم حلقات تجمّع تحث السوريين على الالتفاف والتلاقي ومؤازرة بعضهم البعض في الغربة. ووسط تلك الحلقات التي عادة ما تكون لتبادل الأفكار والتعليقات السياسية، تنبع مجموعة ذات أهداف اجتماعية وإنسانية بحتة وتسمى «الغربتليات» (المغتربات)، كما يطلقن على أنفسهن بحسب لهجة أهالي مدينة حلب، هي أول مجموعة تواصل اجتماعي للسيدات السوريات في بريطانيا عبر موقع «فيسبوك». هذه المجموعة تضم النساء حصرا، وهي تعبر عن حال المرأة العربية المغتربة وصوتها وهمومها بكل فئاتها العمرية وحالتها الاجتماعية. والمتابع للمشَاركات اليومية يستدل على الكثير من المعلومات عن الأنشطة الاجتماعية والترفيهية والخيرية التي ينظمها أفراد ومجموعات من الجالية السورية في بريطانيا، هذا بالإضافة إلى الأنشطة التي تنظمها المشتركات بالمجموعة مثل لقاءات التعارف واحتفالات الأعياد.
صاحبة فكرة المجموعة رشا خوجة، وهي سيدة من حلب متزوجة وولديها ثلاثة أولاد، مقيمة حاليا في لندن، دفعتها غربة تسع سنوات عن بلدها لتشكيل «الغروب»؛ إذ كتبت على صفحة الموقع، بصفتها المؤسسة أو «الأدمن»: «من تجربتي التي قد تماثل تجارب الكثيرات، ممن قدمن هنا، واضطررن للتنقل من مدينة إلى أخرى، والإقامة عدة أشهر دون أن نتعرف على أي سوري، أنشأت هذا (الغروب)، وإن شاء الله تقوم هذه المجموعة بدورها وتزيد فرص تعارف السوريات على بعضهن البعض بكل أنحاء بريطانيا، وأيضا للواتي لديهن أي معلومة تفيد الأخريات أو بحاجة إلى مساعدة من الممكن تقديم العون لها».
وفي حوار مع «الشرق الأوسط» قالت خوجة: «في البداية أضفت صديقاتي، ومن ثم أضفن صديقاتهن ومعارفهن، وهكذا دواليك، وهناك كثيرات ممن تعرفن على بعضهن البعض بواسطة الموقع. لم أكن أتوقع هذا العدد الكبير من السوريات المقيمات في المملكة المتحدة، ويوما بعد يوم تزهر الشجرة بعضوة جديدة».
يهدف تجمع «غربتليات» إلى الاستفادة من خبرات البعض، ومن واقع حال المعيشة في بريطانيا تتشارك جميع النساء العربيات، بحسب خوجة، المسؤولية الكاملة في تربية الأولاد وكل ما يخص المنزل، وهنا يأتي دور «الغروب» بأن يختصر إلى حد ما معاناة البحث عن الكثير من الأشياء، فعلى سبيل المثال لا الحصر، أين يمكن شراء المنتجات الغذائية العربية، وأماكن بيع اللحم الحلال خاصة في المدن الشمالية.
هذا، وأكدت «الأدمن» أن محتويات الموقع بعيدة عن أي حوارات وموضوعات سياسية، وهذه هي إحدى أهم شروط «الغروب»، وحتى في إحدى المرات طرحت إحدى الصبايا موضوع «لا يجوز الاحتفال بأعياد أهل البلد»، فاضطرت خوجة أن تكتب تصريحا وأوقفت هذا السجال، وكتبت على الموقع أن «صبايا هذه المجموعة مخصصة للسوريات اللواتي على قلب واحد في الغربة، أما من تريد أن تتحدث بالسياسية فالمواضيع السياسية لها صفحاتها الخاصة والمدونات للتعبير عن الرأي هذه الأيام».
ترحب خوجة بجميع السوريات بالاشتراك، وبكل تواضع أوضحت أنها على الرغم من كونها الأدمن وصاحبة فكرة «الغروب» فإنها مثلها مثلهن، أي ممكن أن تفيد وممكن أن تستفيد، وتتمنى من الجميع أن يعتبرن أنفسهن أدمن ويتحملن مسؤولية الحفاظ على هدف المجموعة.
وقد نجحت مجموعة «غربتليات»، منذ عامين على بدء تشكيلها بحسب قول مؤسستها، في أن تستقطب أكثر من 512 عضوة من شتى أنحاء بريطانيا حتى لحظة هذا الحوار، وهؤلاء السيدات يمثلن أعمارا مختلفة، وتحصيلهن العلمي متفاوت، ومنهن من تعمل وأخريات ربات بيوت، لكن ما يجمعهن هو الحنين إلى البلد الأم سوريا.
ومن تظاهرة اجتماعية افتراضية استطاع «الغروب» أن يتحول إلى أرض الواقع؛ إذ أوضحت خوجة: «بالفعل التقينا في مناسبات عدة ضمن أنشطة وجلسات صباحية، وعادة ما يجري ذلك خلال أيام الأسبوع كون معظمنا مشغولا مع العائلة في أيام الإجازة»، وتابعت: «تختلف أسباب اللقاء إما بسبب انضمام بنات جدد ونرغب بالتعرف عليهن أو للاحتفال بالأعياد أو لحضور ندوات تثقيفية».
واختتمت خوجة حديثها بالقول: «بصراحة أنا أجدها مساحة للهروب من المسؤوليات حينما يكون الأولاد في المدرسة، ولا زلت أتذكر خلال اجتماعنا الأول الذي جرى في مركز «الويست فيلدز» التجاري، وكنا نحو 15 بنتا، أتذكر شعوري حينها بالغبطة والفرح الكبير، كأنني وسط أهلي، وربما ملأ هذا الإحساس ما كُنا نفقده هنا في الغربة».
كثيرة هي الأسئلة التي تطرحها العضوات، مثلا: هل تعرفنّ محاميا متخصصا في موضوعات الإقامة؟ وأين توجد مدارس تعليم اللغة العربية للأطفال؟ كيف تُعدل الشهادة الجامعية؟ من أين ابتاع قماشا خاصا لأغطية الصلاة؟ وغيرها، وكان أحدها البحث عن خبيرات تجميل عربيات؛ مما دفع إحداهن لدعوة ياسمين كجي للانضمام إلى «الغروب»، فهي أخصائية عناية بالبشرة والتجميل، وعن مشاركتها قالت كجي: «على الفور قبلت الانضمام، فعلى الرغم من مضي ثماني سنوات على إقامتي هنا مع عائلتي، فإن اللواتي أعرفهن تحديدا من السوريات قليلات جدا؛ لذا فرحتي كانت لا توصف، وسعدت بمشاركتهن خبرتي في التجميل».
وتابعت: «مع مرور الأيام وجدت غروب (غربتليات) وسيلة اجتماعية ونافذة ترفيه، وفائدة تخصني غير العمل والبيت، الجميل فيه أنه يجمع الأم والجدة والمتزوجة حديثا، يتشاركن القصص والخبرات ويؤنسن حياتنا في الغربة»، وأضافت: «بالنسبة لي استطاع الموقع أن يقربني من الجالية السورية، وفتح الباب لعائلتي للانخراط أكثر بالمجتمع العربي، ومنحت الفرصة لأولادي بأن يشعروا بأجوائنا وعادتنا من خلال الأنشطة التي ننظمها أو يُجرى الإعلان عنها».
حلا قشقش تشارك كجي رأيها؛ إذ قالت: «(الغروب) خفف علينا الغربة والوجع بهذه الظروف، فجميعنا نعاني الهم والألم ذاتهما». وكحال الأخريات، تعرفت قشقش عن طريق الموقع على الكثير من الصبايا، ومنهن من التقت بهن فعليا، ومنهن لم يسعفها بُعد المسافات من الالتقاء بهن، على حد تعبيرها.
وبدورها، أثنت قشقش على دور «الأدمن» رشا، التي عملت ملفات متنوعة تحتفظ بداخلها على معظم المعلومات التي ذُكرت ويمكن الرجوع إليها لاحقا، هذا بالإضافة إلى الاستفادة من الإعلانات عن الأنشطة الاجتماعية والخيرية، إلا أنها في المقابل تتمنى لو تشارك المشتركات بـ«الغروب» في حوارات أكثر من الاكتفاء بالتعليقات، كأن يفتح موضوع معين ويجرى النقاش حوله.
وحقا وبعد موافقة «الأدمن»، بدأت قشقش بتنفيذ فكرتها، أوضحت: «سلمتني رشا الميكروفون، وكان عنوان النقاش الأول (هل أنت راضية عن نفسك وحياتك وعلاقاتك؟ هل تفكرين بتغيير تصرفاتك أو أسلوبك؟)»، وتابعت: «سرّني التواصل والإجابة عن التساؤلات والمداخلات الكتابية وصراحة الآراء التي بالنهاية كانت تدعو للتفكير بتجارب الآخرين والاستفادة من خبرتهم».
إلى ذلك، تختلف المؤهلات العلميّة واهتمامات المشتركات، إلا أن الغالبية هن أمهات وربات بيوت، وهذا واقع فرضه أسلوب العيش هنا، فمعظم الرجال يعملون طوال النهار والأم مسؤولة بالكامل عن كل ما يخص البيت وتربية الأولاد وتوصيلهم للمدارس، وحتى لو كانت تحمل مؤهلا علميا، لا توجد فرص عمل تتناسب وطبيعة مسؤولياتها، وثانيا، لا يوجد أهل وأقرباء للمساعدة، كما أن الرعاية كالحضانات وجلسية الأطفال مكلفة. روعة زنرني هي إحدى هؤلاء الأمهات، على الرغم من كونها مهندسة عمارة لم تستطع أن تزاول مهنتها، فهي أم لثلاثة أطفال، وجدت صعوبة في إيجاد فرصة عمل لا تتضارب مع اهتمامها بعائلتها.
زنرني، وكأي ربة منزل تعشق الطبخ، دفعتها خلفيتها الفنية للإبداع في هذا المجال، وباتت تفنن في طرق التقديم وابتكار الأطباق والمأكولات، وعن تجربتها بـ«الغروب»، قالت: «حينما بدأ الأولاد بالذهاب إلى المدرسة أصبح لي مساحة من الوقت أستطيع فيها ممارسة هوايتي في الطبخ والخبز، وبعد انضمامي بموقع (غربتليات) شجعتني صديقاتي بأن أعمل من المنزل، وأعرض صور الأطباق التي أطبخها من أجل بيعها للراغبات، والحمد لله، وجدت إقبالا كبيرا، وخصوصا طبخاتنا السورية التي تحتاج إلى وقت لإعدادها، والظروف في بلدنا حرمت الكثيرين من الحصول عليها».
نجاح روعة، أمدها «الغروب» بالعزيمة وفتح الآفاق لأفكارها؛ إذ تخطط الآن لعمل معرض للوحاتها الفنية ومشغولاتها اليدوية.. في الختام وراء كل عضوة من غروب «غربتليات» قصة فريدة لكنها تتقاطع خيوطها مع مفردات الغربة وحنين العودة إلى الوطن.

الشرق الأوسط

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى