في عالمنا العربي ظاهرة جديرة بالتمعن وأحسب أن كثيراً منا قد رصدها أو قد لاحظ انتشارها أو وجودها، خصوصاً وهي ليست جديدة أو طارئة بل إنها قديمة أو لها فترة من الزمن معشعشة في العقلية الجمعية يتم علكها ومضغها في كل فترة من الزمن، هذه الظاهرة تورطت فيها عدة فئات من المجتمعات العربية وعلى مختلف مستوياتهم التعليمية – مع الأسف – وتتمثل الظاهرة في الركون للشعارات الرنانة والهتافات الحماسية، وإن كانت مثل هذه النشوة بالكلمات الحماسية موجودة في التراث البعيد ولها عمق وأثر في مسيرة الإنسان العربي إلا أن هذا العصر على وجه التحديد يتطلب منا نظرة للواقع مختلفة، نظرة محملة بالإنصاف والموضوعية، مبنية على الدقة لا على أوهام أو سرابات وآمال لا أكثر.
أنظر لبعض المقابلات التي تبثها بعض القنوات الفضائية خلال ما عرف بالربيع العربي، حيث يظهر المواطن العربي ممزق الملابس متعباً مرهقاً، حتى صوته بات ضعيفاً، يشكو من قلة الخبز وغلاء المعيشة والفقر المدقع، وفي اللحظة نفسها تجد هذا المواطن تورط في تكسير منشآت بلاده وتحطيم محطات توليد الكهرباء، والسبب شعارات رنانة لا قيمة لها على أرض الواقع..
مع الأسف ستلاحظ أن النخب العلمية والمثقفين متورطون في مثل هذه الممارسة فعندما يظهر شخص عرف عنه التأليف والكتابة – على سبيل المثال – وقد تحول ليصبح بوقاً لدولة أخرى أو لفئة أو لجماعة ضد بلاده يمارس التهويل والكذب وتزييف الحقائق، عندها تسأل ماذا ترك لأنصاف المتعلمين أو للذين لا يحظون بتعليم ومستوى معرفي مناسب.
هذه النخب تشارك في صناعة الكذبة للجماهير التي تتغذى على الوهم وآمال بعيدة عن التحقيق، وهنا المعضلة فعندما تتورط النخب ومن يفترض بهم القيام بهمة التنوير والإرشاد والتوجيه فيخذلون الناس ويخذلون أنفسهم..
أسوق مثالاً صارخاً على جنوح الفكر والتفكير ليس بين عموم الناس في عالمنا العربي وإنما بين بعض من يسمون أنفسهم أصحاب الرأي والقلم، وأسأل كم دولة عربية ترزح تحت نير التدهور الاقتصادي وسوء في التخطيط ثم يتم القفز على كل هذا ويتم تصدير اللوم وكل هذا التعثر على المؤامرة أو على دول الخليج الغنية أو غيرها؟ نشاهد مثل هذا الجنوح في مختلف وسائل الإعلام من شبكات التواصل إلى مواقع الإنترنت وصولاً لقنوات فضائية معروفة ببثها الأكاذيب والشائعات. عالمنا بحاجة لنخب فكرية حقيقية همها الإنسان وتنميته وليست تلك المشغولة بالشعارات وأيدلوجيتها المقيتة.