في غمار الاحتفال بعيد المرأة تذكرت ببراءة تدخلا للمقرر العام للدستور الجديد بمناسبة ملتقى علميا نظمته كلية الحقوق بسوسة و بخصوص تساؤل استنكاري توجهت به الأستاذة لمياء ناجي حول مكانة المرأة في مشروع الدستور الجديد
فجاء الرد الذي أثار نوعا من التململ صلب القاعة المكتظة بالحقوقيين والطلبة و أعضاء المجلس التأسيسي كالآتي «لنتفق أولا على أن المرأة إنسان».
واستحضرت ما كتبه الطاهر الحداد قي مؤلفه «امرأتنا في الشريعة و المجتمع» منذ الصفحة الأولى «المرأة هي أم الإنسان، تحمله في بطنها و بين أحضانها و ترضعه لبنها، وتغذيه من دمها و قلبها... فإذا كنا نحتقر و لا نعبا بما هي فيه من هوان وسقوط فإنما ذلك صورة من احتقارنا لأنفسنا... و إذا كنا نحبها ونحترمها ونسعى لتكميل ذاتها فليس ذلك إلا صورة من حبنا واحترامنا لأنفسنا و سعينا في تكميل ذاتنا»:
مكانة المرأة في المجتمع عبر التاريخ
سوف لن اعلق على ما قيل و كتب حول المرأة ولكن سوف أؤكد على انه لا احد يشك اليوم في دور المرأة و مكانتها صلب المجتمع رغم أنها كانت تعامل في العصور الغابرة معاملة الحيوانات من ذلك أن القران الحنيف تعرض إلى وضعية المرأة في الجاهلية و استنكر الله عز و جل عادة وَأْدِ البنات في سورة التكوير في الآيتين الثامنة والتاسعة «و إذا الموءودة سئلت بأي ذنب قتلت». كما استنكر الرسول الكريم تفضيل الذكور على الإناث.
أما اليوم فان المرأة أصبحت تعامل صلب القوانين الوضعية و خاصة الدساتير باعتبارها مواطنة وقد جاء الدستور الجديد ليؤكد على المساواة بين النساء و الرجال في تناغم مع تاريخ بلادنا الفكري و القانوني الذي عبر عنه الطاهر الحداد من خلال مؤلفه الشهير «امرأتنا في الشريعة و المجتمع» والزعيم بورقيبة من خلال مبادرته بسن مجلة الأحوال الشخصية التي لاقت و لا تزال تلاقي هجومات المتعصبين و المتطرفين وتجار الدين رغم أنها أكثر المجلات القانونية تأثرا بأحكام الفقه الإسلامي.
الوضع القانوني للمرأة
و سوف اكتفي بتناول مسالتين هامتين وردتا بالدستور الجديد فيما يخص الوضع القانوني للمرأة.
المسالة الأولى تتعلق بالتناصف و هنا لن أعود إلى النقاشات القانونية التي طالت ولازالت تطول حول هذا المفهوم و لكن سوف اكتفي بالتأكيد على أن التناصف رسالة واختبار.
التناصف رسالة ضد الظلم و القهر وعدم المساواة وعدم تكافئ الفرص الذي عانت منه المرأة كثيرا. رسالة لمن لازالوا يعتقدون أن المكان الطبيعي للمرأة هو المنزل. رسالة لأصحاب العقول الضعيفة والقلوب المريضة الذين يعتقدون بان الفضاء العام حكر على جنس الذكور في مجتمع لازال لم يميز بعد بين تقسيم الأفراد بيولوجيا وطبيعيا بين ذكور وإناث وبين وحدة الانتماء القانوني صلب الدولة على أساس فكرة المواطنة التي لا تقيم وزنا يذكر للتمييز بين الرجال والنساء لأنهم سواسية في المواطنة.
و التناصف اختبار لبعض الأحزاب و حتى لجانب من مكونات المجتمع المدني بما في ذلك بعض المنظمات الوطنية التي كانت في الصفوف الأولى للدفاع على مبدأ التناصف صلب المجلس الوطني التأسيسي و لكننا لا نجد أثرا لتلك «القناعة المزيفة» صلب ممارساتها اليومية فبعض الأحزاب التي تدعي الديمقراطية و التقدمية لا يتجاوز فيها عدد النساء رؤساء القائمات للانتخابات التشريعية القادمة حسب التسريبات شبه الرسمية و في أحسن الحالات الثلاث أو أربع نساء. وفي المقابل نلاحظ تكالبا من قبل بعض أعضاء المجلس التأسيسي من الذكور خاصة على الترشح للانتخابات التشريعية وهو دليل آخر على أنهم لم يستوعبوا وظيفتهم التأسيسية ولم يقدروا بل ربما لم يصدقوا أنهم كانوا مؤسسين. فالعبرة ليست بالخطابات الرنانة و المواقف الاستعراضية وإنما بالأفعال والقناعات و إلا اعتبر ذلك من قبيل النفاق السياسي وهو عملة رائجة والحق يقال في بلادنا.
الحقوق المكتسبة للمرأة
المسالة الثانية تتعلق بالحقوق المكتسبة للمرأة فهل يمكن الحديث فعلا عن حقوق مكتسبة للمرأة ؟
دستوريا نعم باعتبار أن الفصل 46 فقرة أولى ينص صراحة على انه «تلتزم الدولة بحماية الحقوق المكتسبة للمرأة و تعمل على دعمها و تطويرها». غير أن هذه الحماية الدستورية على أهميتها لحقوق المرأة تبقى مرتهنة بتطبيق الدستور بكل أمانة وبحسن نية من قبل الفاعلين السياسيين. فاحد فصول مجلة الالتزامات و العقود التي تعود إلى سنة 1906 والتي تعتبر جزء من الهوية القانونية التونسية هو الفصل 243 الذي ينص على انه «يجب الوفاء بالالتزامات مع تمام الأمانة و لا يلزم ما صرح به فقط بل يلزم كل ما يترتب على الالتزام من حيث القانون أو العرف أو الإنصاف حسب طبيعته.»
و رغم أن هذا الفصل القانوني يتعلق مبدئيا بالالتزامات المدنية و يهم القانون الخاص فان روحه يمكن أن تنطبق على الدستور باعتباره التزاما بين صاحب السيادة وهو الشعب وممثليه المنتخبين ومع كل من سوف يتولى تطبيقه لاحقا من سلط مؤسسة بما في ذلك المحكمة الدستورية فواجب الأمانة وحسن النية مفترض عند تطبيق و تأويل أحكام الدستور بعيدا عن الحسابات السياسية الضيقة أو الظرفية.
إن الحقوق المكتسبة للمرأة لا يجب أن تتأثر بالأزمات السياسية أو الدينية أو الاقتصادية كما أنها لا يجب أن تخضع لنزوات الاغلبيات البرلمانية و لا للحسابات الانتخابية الموسمية.
كما أن الحقوق المكتسبة للمرأة لا يجب أن تتأثر بقراءة و تطبيق و تأويل بعض فصول الدستور بسوء نية ونذكر خاصة في هذا المجال الفصل 3 من الدستور الجديد الذي ينص على أن «الشعب هو صاحب السيادة و مصدر السلطات يمارسها بواسطة ممثليه المنتخبين أو عبر الاستفتاء».
فممارسة السيادة من قبل الشعب يجب أن تكون في إطار وحدود احترام إرادة واضعي الدستور ومقتضيات النظام الدستوري التي تم وضعه والذي يفترض الدولة الجمهورية المدنية الديمقراطية بكل مقوماتها. فدستور 27 جانفي 2014 هو دستور يفترض النظام الجمهوري المدني الديمقراطي وهو نظام لا يقبل بالمساس بحقوق المرأة – المواطنة- مهما كانت الظروف بل يعمل على تدعيمها و تطويرها و هي حقوق اكتسبتها المرأة عبر نضالاتها الطويلة والمتراكمة.
إن العيد الحقيقي للمرأة هو اليوم الذي سوف لن نكون فيه في حاجة إلى تخصيص يوم للاحتفال بالمرأة أو إلى تكريس حقوق المرأة صلب القانون وعبر القانون لأنها تصبح من البديهيات في مجتمع لا يعترف بغير رابطة المواطنة بقطع النظر عن الانتماء الجنسي أو البيولوجي للأفراد.