لئن تميز واقع المرأة التونسية من خلال التشريعات والقوانين، وتقلدها لعدد من أهم وأعلى المراتب في سلم الوظائف السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعلمية وما لعبته وتلعبه في المشهد السياسي والاقتصادي للبلاد والمكانة الهامة التي تمكنت
من افتكاكها في المجتمع المدني بمشاركتها في العمل الاجتماعي بمختلف أوجهه، الا أنه لا يزال امام المرأة التونسية طريق طويل ومشوار الالف ميل الذي بدأته في مجال الحريات والحقوق والمساواة يحتاج اليوم الى بعض المراجعات والتوقف عند مسائل اساسيةيجب ان تعيها المرأة التونسية قبل نزولها الى الاحتفال بعيدهاالوطني الثامن والخمسين. ولعله اخر عيد ينهي فعلياً مع العهد القديم والحكومات الانتقالية التي افرزت مخاوف جادة على مكتسبات المرأة، وان لم تكن على مستوى المنظومات والقوانين فدعنا نقول انها كانت مخاوف على مستوى العقليات وهذا اخطر بكثير من المساس بالتشريع لأن النصوص القانونية لا جدوى منها بدون وعي حقيقي لقضايا المرأة وتحديد الحلول والمقترحات المشتركة والضرورية لمعالجة أهم الإشكاليات التي تعيق التمكين الاقتصادي والاجتماعي والسياسي للمرأة.
في تهميش المرأة الريفية
ان العدو الحقيقي للمرأة ليس الفقر والأميّة الداءين الأكثر فتكا بالنساء وليس قوى الرجعية، ولكنه المرأة نفسها واصعب المعارك هي التي يخوضها الفرد مع نفسه. ان من ينزل الى الشارع اليوم ومنذ سنوات ليسوا بأصحاب القضية بل هي النخبة المثقفة ويمكن تقريبا الجزم ان اغلب من يتظاهرن من النساء في سبيل حقوق المرأة لم يعرفن اي نوع من التميز، وان من يخرجن في مسيرات من اجل العنف ضد المرأة لم يشعرن يوما بوجع الاهانة وقساوة الالم الجسدي، وان من يطالبن بحق المرأة في التعليم هن صاحبات شهادات عليا ويتبوأن اهم المناصب، وان من يرفضن التعدي على مجلة الاحوال الشخصية في ما يخص تعدد الزوجات يسرن جنبا الى جنب مع ازواجهن في التظاهرات وانه رغم التهميش الذي تعاني منه المرأة الريفية والمتسبب في تعميق الفجوة أو التميز بين الجنسين فأننا لا نرى انتفاضات نسوية داخل البلاد. المشكل الحقيقي في تونس الامس وتونس الثورة ان صاحبات القضية لا ينتصرن الى القضية والا لامتلأ شارع الحبيب البورقيبة وجميع شوارع المدن التونسية بالنساء حتى ينفجر الصمت. ان التحدي الحقيقي للمرأة التونسية ان لا يقتصر الحديث عن حقوقها على سيدات النخبة في المجتمع.فالتونسية التي وقفت جنبا الى جنب مع الرجل ابان الحركة الوطنية لتحرير ارض تونس من براثن الاستعمار والتي خاضت معركة الاستقلال وساهمت في ارساء دعائم الدولة الحديثة والتي خرجت دفاعا عن رغيف الخبز سنة 1984 والتي خرجت لتقول لا للتهميش سنة 2008 والتي خرجت من اجل ثورة الحرية والكرامة في 14 جانفي ومازالت في حربنا ضد الارهاب اليوم تقدم ابنها وزوجها واخاها شهداء في سبيل الوطن،والتي بنت تونس الديمقراطية الحداثية لا زال فيها نصيب الرجل اكبر من نصيبها وعلينا ان نعمل اكثر حتى تصبح قضايا المرأة مطروحة محل نقاش في كل مكان بين النساء العاديات وغير المتعلمات.
بعد الثورة المرأة في مواجهة قوى الردة
ذهب الكثير من المحللين لوضع المرأة بعد الثورة ان مكتسباتها اصبحت مستهدفة من قبل «اصوات الردة» التي تهدد حقوق المرأة التونسية مثل ظاهرة الزواج العرفي والحديث عن تعدد الزوجات وختان البنات والمأذون الشرعي، رغم ان هذا التهديد يحمل ضمنياً اشارات ايجابية، اهمها اننا لازلنا في حاجة الى نضالات أخرى من الاجيال لتغيير الذهنيات وخلق بنى ثقافية جديدة تصبح تدريجيا من الثوابت القادرة على مجابهة هذا الغزو الثقافي الذي يتهافت علينا من الغرب والشرق، وان مجلة الاحوال الشخصية التي كانت حلم رجال عظماء وفكر زعماء اصلاحين تونسيين من بينهم الطاهر الحداد،ووجدت ضالتها في شخصية الزعيم الحبيب بورقيبة سندا قويا لتطبيقها على ارض الواقع في 13 أوت 1956 قبيل عهد الجمهورية، كانت نتيجة مصلحين ومصلحات من خلال منظومتهم الفكرية ولم تكن نتاج معركة حقيقية خاضتها المرأةعلى ارض الواقع وصراع وجودي كما حدث في الثلاث سنوات الأخيرة. فكان لا بد ان تشعر المرأة التونسية ببعض من الخوف على ما اعتقدت لسنوات انه مضمون حتى تنزل الى الشارع وتحول مجلة الاحوال الشخصية من فكرة بورقيبية الى ثورة نسائية اصبح المساس بها امرا مستحيلا في المستقبل. وعليه لا يجب ان تنزعج المرآة التونسية من الهجمة التي يشنها اصحاب التيار الرجعي برفعهم بعض الشعارات الرنّانة أو تكرار بعض النصوص من القرآن والسنّة واستغلال موضوع حرية المرأة وحشره في المزايدات والمناورات السياسية فمنذ نزول سورة النساء احد اطول السور المدنية في القرآن الحاملة للأحكام التي تتعلق بالنساء اصبحت المرأة كالملح لا يغيب عن الطعام والموضوع الشبه الوحيد الذي يدور حوله كل الخطابات الدينية.وربما يجب ان لا نرفض هذه المواجهة مع اصحاب الفكر الديني المتشددفقد بقيت لنا معهم معركة اخيرة وهي مسألة الإرث حتى ننهي الصراع القائم بين التيارات الاسلامية والحدثية حول منظومة الارث في التشريع التونسي والذي يتطلب في الأصل مراجعة منظومة الزواج اولا.أنّ الدراسات المعاصرة للنص القرآني ولا يمكن الغوص فيها في هذا المقال تبين ان اختلال توازن المجتمعات هي التي ادت الى الاعتقاد ان النصوص القرآنية حول الارث غير عادلة وفيها تكريس لمبدأ عدم المساوات ونطمح في مثل هذا اليوم ونحن نحتفل بذكرى رجال تونس المصلحين الى تكوين مجموعة جديدة من العلماء والمفكرين لتقديم القراءة الصحيحة لهذه المسألة والبت فيها نهائيا.
في الدفاع عن مكتسبات المرأة
ان ترسيخ ثقافة المساواة بين الرجل والمرأة باعتبار أنهما من أصل طبيعي واحد (الانتماء إلى الجنــس البشـــري) وأصـــل قانوني واحد (متساويان أمام القانون ومسؤولان عن أعمالهما بنفس الكيفيّة باعتبارهما مواطنين من نفس الدرجة) ولهما نفس الحقوق الإنسانية والحرمة الجسديّة، ليس مبدأ نتوجه به الى الرجل أو الى المشرع بل الى المرأة نفسها،ويجب ان نراه اليوم يتجسد على ارض الواقع ونحن على وشك الخوض في الانتخابات التشريعية والرئاسية حيث يجب ان تتطلع المرأة التونسية الى مستوى المشاركة السياسية وتدعيم وجودها على رئاسة القائمات وتواجدها في مراكز القرار.فاذ كانت المعركة الانتخابية اليوم بين القوى الديمقراطية واحزاب الإسلام السياسي والجماعات المتشددة والمسلحة والارهابية، فهي بالنسبة للمرأة التونسية ذات بعد اوسع،فهي من جهة معركة المرأة داخل القوى الديمقراطية التقدمية ذاتها لتجسيد ما صوتوا عليه في دستور 27 جانفيمن مبدأ المساواة بين المرأة والرجل والمناصفة في عدد الرجال والنساء في المجالس المنتخبة، ومن جهة اخرى معركة ضد القوى الرجعية.
ان ما اكتسبته المرأة بعد نضالات أجيال من النساء والرجال منذ نهاية القرن التاسع عشر سيبقى مستهدفا ولكن تصدي المرأة التونسية في كل موقف وكل ازمة الى المصاعب والتهديدات ودفاعها عن مكتسباتها هودليل فعلي على ان حقوق المرأة ليست حبرا على ورق في النصوص التشريعية وليست عملية اشهارية للحملات السياسية. وعلى المرأة التونسية ان تقطع الطريق على كل القوى التي تحاول ان تمس بالمعاهدات والاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقـــوق المـــرأة وتفعيل دستور 27 جانفي بنصوص قانونية من جهة، والمزيد من التحرر من الأنماط الفكرية والثقافية السائدة المعارضة لحقوق المرأة من جهة أخرى، مطمئنة أنّ منطق التاريخ لا يقبل بالعودة الى الوراء.