منذ أن كانت طفلة صغيرة، كانت تنظر إلى كل عروسٍ بسعادةٍ و إعجاب، و تحلم باليوم الذي ترى فيه نفسها هي العروس، و أنت عريسها.
كانت تحلم أن تلبس فستان الزفاف و تجلس إلى جانب ذلك الرجل الذي طالما انتظرته، ذلك الرجل ستعتبره مشروع حياتها، دنياها و آخرتها، مشروعها إلى الجنة...
كانت تدرك تماماً أنك أهم مشروع ..
فماذا تفيدها الدكتوراة إن لم تجد سكنها آخر اليوم بجانبك ؟
و ماذا تفيد الوظيفة إن لم تحيا معك المودة و الرحمة ؟
و ماذا ستفيدها كلمات الإعجاب و التشجيع من جميع مَن حولها إن لم تسمع إطراءً منك ؟
كبرت، و كنت أنت بطل كل أحلام يقظتها ...
فمنذ أن عرفتك، منذ أن دققت على باب بيتهم، صرت أنت " الرجل " و جميع الرجال مجرّد كائنات من حولها ..
منذ أن عرفتك، و هي تتعامل بأريحية أكثر مع جميع الرجال من حولها ..
صح هذا أم خطأ، ليس موضوعنا، فكل ما في الأمر أنهم لا يعنون لها شيئا منذ أن عرفتك ..
كم صدّت من غزل، تصريح أو تلميح، نعم طاعة لله، لكن حفظاً لك أتقى ..
كم خططت لإسعادك، كم بحثت و قرأت، و سعت لتتعلّم ..
كم وقفت أمام المرآة تعلِّم نفسها فن التجميل بالتجربة و الخطأ ..
كم تفقّدت كل حاسة من حواسك و جهّزت لها ما يسرُّها ..
كم لبست من ملابس و أحذية غير مريحة، كم تحمّلت من آلام جسدية، فقط لتكون جميلة في نظرك ..
نعم هي تحب أن تكون جميلة لنفسها، لكن جمالها في عينيك، أسعد ..
كم تصفّحت من مجلات و مواقع تبحث عن تسريحة الشعر الأنسب لوجهها ..
عن تصميم " الموديل " الأنسب لجسدها، و الأحبّ إلى ذوقك ..
كم دققت في اختيار عطرها : زهرة، زهرة ..
أزهرة الياسمين أشذى ؟ أم فاكهة التوت البري ؟
أتحب العطر العربي أم الفرنسي ؟
كم بحثت عن أجمل الأزياء التي تظهِر جمالها خصيصاً لك أنت، فقط أنت ..
نعم هي تحب أن تكون أنيقة لنفسها، لكن أناقتها في عينيك، أبهى ..
كم بحثت عن وصفات أشهى الأطباق التي تحبُّها، و لم تتناسى صحتك يا حبّة القلب ..
مشت على قدميها تنتقي أفضل المكونات، ثم وقفت تطهوها لك ..
كم حرصت أن يكون الطعام طازجاً و ساخناً وقت وصول حبيبها ..
كم كانت تعلم أن العين تأكل قبل الفم أحياناً ..
نعم هي تحب الطهي، لكن الطهي لك، أمتع ..
كم احتملت من آلام في حملها و في وضعها ..
كم سهرت و تعبت و اشتكى جسدها، طفلٌ تلو الآخر، رعاية، تربية، تمريض، تعليم،
نعم كانت تحلم أن تكون أماً، لكن أماً لأولادك أنت، لا سواك،
نعم تحب فلذات أكبادها، لكنها أيضاً تحب تلك الأسرة التي كانت تحلم بها معك، أسرة تكون أنت سيدها و أميرها،
كم انتظرتك و لم تأت ..
كم استمعت لحديثك و شجّعتك، كم جلست بجانبك تشاهد ما تحب أنت، و تستمع لاهتماماتك أنت، فقط مؤانسة لك
كم قدّمت رأيك على رأيها، كم أخفت من معلومة تعرفها قبلك ...
أتعلم لماذا ؟
لأن خفض الجناح معك، ألذ و أبقى ..
هل كنت تعلم هذا أم إنك لا تعلم ..
قل لي بالله عليك، ما الذي يساوى دمعة من عينيها بسببك ؟
قل لي بالله عليك، ماذا جنت ليصيبها ألما بسببك ؟
هل جزاء الإحسان إلا الإحسان ؟
هل كنت تعلم هذا أم إنك لا تعلم ؟
هل وصلك فقط إزعاج طفلكما و لم يصلك ألمها و حاجتها إليك بجانبها ؟
هل شاهدت فقط ما أصاب جسدها من عيوب بعد الحمل و الرضاعة و لم تشاهد ابنكما يكبر بصحة و عافية ؟
بل ألم تشاهد جسدك أنت ؟
بالمناسبة : هل تحب جسداً له روح ؟ أم روحاً لها جسد ؟
هل انزعجت بشدة من صراخها لابنكما و لم يسعفك ذكاؤك للحظة أن تدرك أنها لساعات طويلة لم تنم، بل لم تجلس، بل ( عفواً ) لم تقض حاجتها ؟!
نعم يحدث ذلك يا سيدي لا تستغرب ...
هل تعلم كل ما مضى أم إنك انشغلت عن ملاحظة ذلك، و اكتفيت بالبُعد عن " مصادر الإزعاج " ؟
هل شغلتك مباريات كأس العالم أم شغلك أصدقاؤك ..
أم شغلك عالمك الافتراضي بكل ما فيه من نكات و معجبات هنا و هناك، بلا وزن زائد و لا إزعاج أطفال ؟!
هل وُلِدت زوجتك هكذا ؟ أم إنها ( يا صديقي ) ثمار الارتباط بك ؟
هل بذلْتَ ( أنت ) ربع ما بَذَلَتْ ( هي ) من جهدٍ و وقت، لن أقول لإسعادها، بل سأقول : لمساعدتها على إسعادك ؟
أم إنك لجأت للأسهل، الاستجابة لأول مُصَفِّقة لجميل ما تكتب، و لطيف ما يظهر منك لعوام الناس ؟
أتذكر فقط " و للرجال عليهن درجة "، و تنسى " و لهن مثل الذي عليهن بالمعروف " ؟
أتذكر فقط " هو جنّتك و نارك "، و تنسى " خيركم خيركم لأهله " ؟
هل حافظت على " خير متاع الدنيا " أم إنك لم تصبر " على طعام واحد " و ظللت تلهث خلف متاع الدنيا ؟
أعلم أني ربما قسوت عليك الآن، لكن عذري أني أراها كل يوم، أراها في زميلات العمل، في الجيران، في صديقاتي، في أقاربي، و هي صامتة، بل ضاحكة صامدة، فقررت أن أكتب عنها، لعلّ صوتها يصل، لمن بقي له قلب يسمع ...
و اعلم أني اكتفيت اليوم بعتابك كزوج، و لم أتطرّق بعد للأب ..
إن كان في العمر بقية، فلنا لقاء آخر ..
تمضي الحياة بدونك، نعم، لكنها معك، أسكن ..
ملأى الحياة بالآلام، نعم، لكن الألم منك، أوجع ..