في الثورة، رسخت المرأة التونسية حضورها الفاعل، على قدم المساواة مع الرجل، في الصفوف الأمامية لأيّ معركة سياسية واجتماعية في البلاد.
حضور لطالما تغنت به تونس، فالمكانة التي وصلت إليها المرأة بجدارتها، باتت تميز هوية البلاد. كما دأبت الأحزاب الحداثية على المطالبة بالمزيد من الدعم لمكاسب المرأة، وحضورها في الساحة السياسية.
تلك المكاسب تعود إلى الواجهة اليوم، مع الاستعداد للانتخابات العامة في نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل. فالأمر يتطلب، تطبيق جميع الوعود التي تغنت بها الأحزاب، بما في ذلك إقرار مبدأ المناصفة بين النساء والرجال، في تكوين القوائم الانتخابية.
ومع ذلك، فإنّ المتابع للترشحات، وتحديد القوائم الانتخابية، التي أعلن عنها، حتى اليوم، يشهد على إقصاء المرأة التونسية من المعركة السياسية. وينسحب ذلك بالإضافة إلى الأحزاب الرافضة لتواجد المرأة، على أحزاب أخرى لطالما نادت بالمناصفة.
ولئن شهدت معركة الانتخابات الرئاسية، هذه المرة ترشح أربع نسوة مستقلات، إلاّ أنّ قوائم الانتخابات البرلمانية لم تحقق فيها الأحزاب، كبيرة وصغيرة، مبدأ المناصفة حتى اليوم. حضور ضعيف من بين أكبر أحزاب البلاد حركة نداء تونس، رغم شعاراته السابقة، لم يحقق مبدأ المناصفة على قوائمه. فمن جملة 27 قائمة لم تترأس المرأة سوى واحدة، عن دائرة محافظة نابل.
وفي هذا الإطار، يقول القيادي في الحركة عادل الشواشي، إنّ "تطبيق مبدأ المناصفة، مازال يحتاج إلى تغيير في عقلية التونسيين وتطويرها، كي تتقبل وجود المرأة في مراكز قيادية". ويضيف أنّ ذلك يتطلب تطوير قدرات المرأة، وتعويدها على الممارسة السياسية.
ويشاطره الرأي القيادي في حركة النهضة الإسلامية أحمد المشرقي، الذي يرى صعوبة الإقرار بمبدأ المناصفة، بسبب العقلية العربية الرافضة لتقلد المرأة لمناصب قيادية. ويؤكد أنّ الحركة كانت من المدافعين الأوائل عن تقسيم القوائم، والترشحات، بالسواسية بين المرأة والرجل. لكنّه يشير إلى أنّ حركة النهضة، لم تحسم أمر قوائمها بعد، ولم تعلن عنها.
ومن الأحزاب الأخرى التي دافعت عن المناصفة، الجبهة الشعبية، التي لا تقلّ ثقلا سياسيا عن حركة نداء تونس، والنهضة. كما طالب قياديو الجبهة، دائماً، بضرورة إشراك المرأة في قيادة المرحلة المقبلة، والاعتراف بقدرتها على تقلد مناصب قيادية.
المفاجأة، أنّ الحزب لم يطبق اليوم ما نادى به، فمن أصل 13 قائمة انتخابية أعلن عنها، نجد امرأة واحدة فقط، على رأس إحدى القوائم.
الأمر نفسه ينسحب على الحزب الجمهوري. فمن أصل 25 قائمة أعلن عنها لم تتقلد المرأة سوى 3 منها.
وتقول الأمين العام للحزب مي الجريبي، التي ستترأس إحدى القوائم الثلاث، إنّ السياسيات اللواتي يشغلن مراكز القيادة، يجب أن يخضن معركة دفع المرأة والشباب، نحو مراكز القرار. وتؤكد أنّ النساء في حزبها، فضلن ترؤس الرجال للقوائم، على الرغم من تمتعهن بالكثير من الكفاءة. بين نسب الترشح والوصول لا تعني نسبة ترشح النساء، حتى ولو وصلت إلى المناصفة، أنّ نصف أعضاء البرلمان سيكون من النساء.
ففي انتخابات 2011 بلغت نسبة النساء في قوائم الترشيح 48 في المائة، لكن لم تبلغ نسبة النساء في المجلس التأسيسي أكثر من 27 في المائة.
أما على الصعيد الحكومي، فكانت نسبة النساء متواضعة، إذ بلغت في حكومة الترويكا ثلاثة مناصب وزارية من أصل 48، وهو الأمر الذي تكرر في حكومة مهدي جمعة.
عن تلك النسب، تقول الباحثة في تاريخ الحضارة العربية، زهية جويرو لـ"العربي الجديد"، إنّ "مبدأ المناصفة هو اعتراف بمبدأ المساواة في المواطنة". وتضيف أنّ "تطبيق مبدأ المناصفة تعترضه صعوبات، منها الذهنية باعتبار أنّ المجتمع لا يتقبل، حتى اليوم، هذا الواقع، إضافة إلى مدى استعداد الأحزاب السياسية، لتطبيق المناصفة فعلياً".
يذكر أنّ الأحزاب التي لطالما نادت، في المنابر، بضرورة دعم تواجد المرأة في الحياة السياسية، لم تقبل بالفصل المنادي، بضرورة مناصفة المرأة والرجل، في ترؤس القوائم الانتخابية، خلال مناقشة القانون الانتخابي. ما أدى إلى تبني البرلمان التونسي، في القانون الانتخابي الجديد، فصلا يتعلّق فقط، بتفعيل مبدأ المناصفة، داخل القوائم المرشحة للانتخابات التشريعية، تطبيقا لمقتضيات الدستور، الذي نصّ على السعي لتحقيق مبدأ المناصفة.