مع كثرة البرامج الحوارية في إذاعات الإف إم يتعرف الناس أكثر على بعض آراء الشارع، التي لا تظهر في منطقتنا العربية لعدم وجود استقصاءات موثوقة للرأي العام. ضمن حلقتين من تلك البرامج استمعت إلى مثالين مختلفين من الذكور السعوديين، الذين يشكلون نموذجين متضادين تماماً في نظرتهم إلى المرأة وإلى العلاقة بين الرجل والمرأة، إلى حد يجعله نشازاً بين رؤية المجتمعات الأخرى، وأحكامها في مثل هذه القضايا الاجتماعية.
النموذج الأول كان ضمن حلقة مخصصة لإبداء الرأي فيما تداولته بعض المواقع الإخبارية من أن المرأة السعودية في سن معينة سيسمح لها بالخروج من البلاد دون إذن من ولي أمرها، خلافاً للمطبق من الأنظمة حالياً، التي تفرض وجود إذن ورقي مصدق من الجوازات، واستبدل به إذن الكتروني يصدره ولي أمر المرأة على موقع وزارة الداخلية. فكانت آراء المتصلين تتراوح بين المطالبة بالسماح الكامل للمرأة بالخروج دون إذن ودون تحديد سن معينة، وبعضهم يؤيد القرار، لكنه يقول بأنه متأخر، حيث يفترض أن يكون قد صدر منذ زمن؛ وبين من يعارض القرار جزئياً أو كلياً بحجج مختلفة، وحيثيات لا علاقة لبعضها بهذا الموضوع الجزئي المخصص له وقت الحلقة. لكن الرأي الذي كان فجاً في طرحه ومعمماً في أحكامه، قد أتى من متصل من مدينة الجبيل -كما ذكر في اتصاله- ويقول إنه يذهب كثيراً إلى دولة خليجية مجاورة؛ وبسبب تعميته سأله المذيع: طبعاً تقصد البحرين، فقال: نعم هناك. فكان يجد -حسب زعمه- الفوضى من النساء بمختلف الأعمار؛ لهذا فهو (أي الشخص المتصل) لا يؤيد القرار بالسماح الجزئي للنساء بالخروج من البلاد دون إذن ولي الأمر. وعندما فاجأه المذيع: طيب، قد يرد عليك أحد المؤيدين لصدور القرار، بأن الأمر بهذا الشكل مع وجود القانون الملزم بإذن ولي الأمر، فإن المنع -إلا بإذن- لم يمنع وجود ما تصفه بالفوضى، فمن باب أولى أن يُترك الشيء الذي لا يفيد في الانضباط. عندها لم يرد إلا بتكرار ما قاله من قبل، لأنه من الحفّاظ الذين يرددون الشعارات!
أما النموذج الثاني، فهو لمتصل في برنامج آخر؛ كان موضوعه عن السفر إلى الخارج. وقد كان غريباً في طرحه، ومثالياً في ادعاءاته. إذ انه كان يرفض أن يسافر الرجل بمفرده إلى الخارج، حتى لو كان في رحلة عمل. وعندما سأله المذيع: طيب، أنت ما تأتيك رحلات عمل إلى الخارج، فهل تأخذ زوجتك دائماً معك؟ قال: نعم، آخذها .. وتبقى في الفندق. وعندما سأله عن غير المتزوجين، قال: لا بأس، إذا كان غير متزوج. فيمكن أن يسافر بمفرده!
لكن الكارثة كانت في تبريراته لعدم تأييده لسفر الرجل المتزوج بمفرده؛ إذ كان يقول: زوجته ستعرف أنه، إما أن يسافر ليتزوج عليها، أو سيؤذيها (بمعنى أن كل الرجال يسافرون إلى الخارج من أجل المرأة (للزواج أو للعلاقات المؤقتة). وهذه في الواقع عقدة صنعتها فترة الصحوة، التي ربطت للأسف حياة الناس وتفكيرهم بالفروج! المشكلة في طريقة التفكير هذه، أنه ينطلق الفرد المقتنع بها من تجربته شخصياً، أو تجربة أحد من يعرفهم من أصحاب الأهداف الجنسية، على جميع من يسافر إلى خارج البلاد؛ من مبتعثين للدراسة وسائحين للتعرف على بلاد مختلفة والاستمتاع بالطبيعة وثقافات الشعوب الأخرى، ومن منتدبين لأعمال رسمية، أو رجال أعمال في رحلات عمل تجارية، أو أعمال دائمة في بلدان أجنبية، أو باحثين عن علاج لأنفسهم أو ذويهم بئس التفكير وبؤس الخيال!