كان دوماً هناك تساؤل: لماذا تعرضت المرأة لمحاولة الإقصاء والإبعاد عن جملة من مجالات الحياة الإنسانية، ومنها الكتابة؟ السيدة ديل سبيندر، في كتابها الذي حمل عنوان: "لغة من صنع الرجال" قالت: " بينما ورثنا المعاني المتراكمة للتجربة الذكورية، فإن معاني وتجارب جداتنا غالباً ما اختفت من وجه الأرض". ومن المؤسف أن كلماتها تحمل الكثير من القبول، وكما يقال فإن التاريخ يكتبه الأقوياء، ويظهر أن الرجل كان هو المتمتع بالقوة في معظم فترات التاريخ الإنساني.
لم تكن المرأة تعاني من هذا التجني والتجاوز منذ ذلك الزمن السحيق فقط، ففي التاريخ الحديث ظهر نوع آخر من التجني والظلم وخير دليل في هذا السياق ما حدث مع الكاتبة والمؤلفة الانجليزية الشهيرة ماري آن إيفانس ، والتي اختارت اسما مستعارا ذكوريا لأنها كانت تريد أن تأخذ أعمالها على محمل الجد ولا تتهم بأنها كاتبة رومانسية فقط بسبب أنها امرأة، فلا تجد القبول والانتشار الذي تستحقه، فكانت مؤلفاتها تصدر باسم جورج إليوت.
مع الأسف، في الوطن العربي ما زال بعض الفتيات يلجأن إلى الكتابة بأسماء مستعارة، تماماً كالسيدة ماري آن إيفانس التي توفيت في عام 1880م، بمعنى أن إنجلترا تجاوزت تلك الحقبة المظلمة من تاريخها التي كان كثير من قوانينها قد وضع غير مراعِ لحقوق المرأة، ونحن اليوم في منتصف عام 2014، ما زالت بعض البلدان العربية فيها نساء يكتبن بأسماء مستعارة، سواء في الشعر أو غيره، بمعنى أننا نرتكب الأخطاء نفسها التي ارتكبتها الأمم قبل أكثر من مئة وثلاثين عاماً. ليس هذا ما يؤلم وحسب، إنما هناك أخطاء تاريخية في المجال الأدبي ضد المرأة العربية لم يتم تصحيحها، أو إذا صح التعبير، لم تتم إعادة دراستها والتحليل وتقديم دراسات تثبت الحقائق، من الأمثلة في هذا السياق ما يتم ترديده على نطاق واسع بأن أول رواية عربية تم تأليفها كانت لحسين هيكل والتي صدرت في عام 1914، وكان عنوانها "زينب" هناك من أكد أن أول رواية عربية صدرت كانت من تأليف السيدة زينب فواز التي صدرت عام 1899بعنوان "حسن العواقب"، بل يقال أيضا أن السيدة زينب أصدرت رواية أخرى بعنوان:" الملك قروش" وكان ذلك في عام 1905م، وهناك من يذهب إلى التأكيد أن الأديبة عفيفة كرم كانت قد نشرت أربع روايات، وتم نشرها تباعاً عندما حل عام 1914 الذي خلاله نشر الأديب حسين هيكل روايته.
أفهم أن المفكرين والعلماء أكثر انفتاحاً وتفهماً ومعرفة بأن تميز المرأة وتفوقها شيء طبيعي، ولا يعد تنافساً أو تجاوزاً لطقوس متعارف عليها أو مسلمات إنسانية، بل أن تميزها على الرجل وتفوقها، إذا تم، يأتي في سياق طبيعي، وهو أن الأكثر علماً وموهبة هو الأقدر على التميز والوصول إلى الإنجاز. المفكر الراحل إدوارد سعيد له كلمة جميلة في هذا السياق، إذ قال: " إن المثقف، رجلاً كان أم امرأة هو إنسان صاحب رؤية استقلالية واضحة عن مراكز السلطة". وبحق، إن كل رجل له رؤية واستقلال عن أي عوامل مؤثرة سيعرف الحقيقة ثم يمنحها لمن يستحقها دون تمييز أو انتقائية.