لماذا نجحت الثورة الليبية؟
المرأة هي كلمة السر.
هذا ما تقوله منظمة "هيومن رايتس ووتش" وتشهد به شوارع مدينة بنغازي، مهد الثورة، حيث خرج الليبيون نساءا ورجالا في السابع عشر من شباط/فبراير 2011 لاسقاط حكم معمر القذافي.
في التظاهرات، تقدمت المرأة الصفوف، لكنها أجبرت بعد أشهر قليلة على التراجع. وعلت أصوات تشرع لتعدد الزوجات ومنع المرأة من السفر دون محرم وتدعو للفصل بين الذكور والاناث وتقصي المرأة الليبية من المشاركة في رسم مستقبلها وصياغة دستور البلاد.
فماذا حدث؟
تهديدات بالتصفية الجسدية
صورة المرأة التي تتقدم الصفوف لم يعد لها أي أثر في المشهد الليبي الحالي، تقول ناشطات ليبيات ومنظمات حقوقية دولية.
بعد وصول الإسلاميين لسدة الحكم في ليبيا، وجدت المرأة الليبية نفسها مبعدة تماما عن المشهد السياسي وحتى الاجتماعي والثقافي في ظل وضع أمني متأزم وفوضى الميليشيات المسلحة.
الناشطة الليبية والمحامية نيفين الباح تتهم الإسلاميين بالسطو على الحريات والحقوق التي كانت تتمتع بها المرأة الليبية قبل سقوط القذافي.
وتقول إنها أجبرت على اللجوء إلى مصر بعد أن هددتها جماعات إسلامية متشددة بالتصفية الجسدية بسبب مواقفها الداعمة لحقوق المرأة وانتقادها سياسة الإسلاميين.
تقول الباح لموقع "راديو سوا إن "الوضع الحالي للمرأة الليبية صار أسوء حتى من فترة حكم القذافي"، فهي كانت "ورقة رابحة في يد الإسلاميين قبل انتخابات المؤتمر الليبي العام الذي رفع أعضاؤه حينها شعارات رنانة تثني على المشاركة الفاعلة للمرأة الليبية وتعدها بحريات وضمانات دستورية أكثر وتمثيل برلماني أكبر لكنها لم تجن سوى الوعود".
من المشاركة إلى الإقصاء
ولم تخف الباح في الوقت ذاته استياءها من تصريحات سابقة لرئيس المجلس الوطني الانتقالي مصطفى عبد الجليل مباشرة بعد تسلمه مقاليد السلطة في ليبيا، حين أعلن "رفع القيود القانونية القائمة على تعدد الزوجات" والتي فرضها القذافي، بحجة أنها ضد الشريعة الإسلامية.
الباح ليست وحدها من يدق ناقوس الخطر. منظمة "هيومن رايتس ووتش" أصدرت تقريرا بعنوان "ثورة للجميع: حقوق المرأة في ليبيا الجديدة" في آيار/مايو 2013.
حذرت المنظمة الحقوقية الدولية حينها من "تقهقر دور المرأة الليبية واختفائها من المشهد السياسي الليبي تماما بعد الانتخابات البرلمانية في حال لم يكن لها حضور بارز في اللجنة المكلفة بصياغة أول دستور لليبيا بعد الثورة"
ورصد التقرير شهادات حية لحقوقيات ليبيات أكدن دعمهن أحزاب بعينها خلال الانتخابات البرلمانية الليبية في 2012 بعد تبنيها شعارات تنادي بالمساواة بين المرأة والرجل في الحقوق والواجبات، لكن بمجرد انتهاء الحملات الانتخابية وقع التخلي مباشرة عن خدماتهن وأقصين من الحياة السياسية.
قرار آخر لدار الإفتاء الليبية عرف بدوره ضجة كبرى واستياء في الأوساط الحقوقية الليبية، حسب الناشطة نيفين الباح، حين أفتى مفتي الديار الليبية الصادق الغرياني بأنه" لا يجوز للمرأة أن تسافر بغير محرم".
إسلاميون ولكن
يقر الإمام الخطيب بوزارة الأوقاف الليبية ومدير قناة " الهداية " الشيخ أبوبكر محمد الغرياني في تصريح لموقع "راديو سوا" بوجود تطرف إسلامي في ليبيا. لكنه أضاف "نحن كإسلاميين مع الاعتدال، نحن نؤمن ان المرأة نصف المجتمع، ولا ننكر دورها الريادي في الثورة، لكن يجب أن نفرق في كلام مفتي الديار الليبية بين الحكم الشرعي والفتوى التي هي ليست حكما مطلقا وجبت طاعته، بل هي وجهة نظر مؤسسة مدنية في مسألة حادث طارئ".
ويضيف "فتوى الشيخ الصادق الغرياني جاءت بعد شكاوى كثيرة وصلت لدار الإفتاء ووزارة الأوقاف الليبية من أزواج تذمروا من سفر زوجاتهم خارج ليبيا دون إذن مسبق منهم".
ويواصل "لو كنا فعلا مجتمعا ذكوريا كما يتهمنا البعض لكنا أقصينا المرأة من الحياة السياسية لكنها فعليا موجودة وممثلة في البرلمان الليبي وأيدينا لا تزال مفتوحة مستقبلا لأي مشاركة نسوية في سبيل إعادة بناء ليبيا جديدة".
تطرف "ديني وجنسي"
وحول حادثة الفصل بين الإناث والذكور في أحد المعاهد بمدينة درنة، أكد الغرياني رفضه لذلك، واصفا إياه "بالتطرف الديني والجنسي" وهو حسب ما يقول "ضد سماحة المجتمع الليبي الذي يؤمن بتبادل الأدوار وبالمساواة بين المرأة والرجل".
وبالرغم من تعالي الأصوات من داخل ليبيا وخارجها مطالبة بمزيد من الحريات والحقوق المدنية يبقى مستقبل المرأة الليبية رهين ما ستؤول إليه البلاد في ظل تناحر سياسي وعسكري مفتوح على كل الاحتمالات.
راديو سوا