لا يدرك كثير من الرجال أننا نحن النساء أول من أطعمهم، وأول من احتضنهم، وأول من غسل وجوههم، وأننا من علمهم كيف يخطون خطوتهم الأولى، وكيف يأكلون لقمتهم الأولى، ونحن أيضاً من علمهم الحياة وتجاربها حين خبأناها في قصصنا الصغيرة لهم قبل النوم.
هؤلاء الرجال الذين في الأعلى كبروا وأصبحوا يظنون أن النساء أقل فهماً وأقل تجربة وأضعف قدرة على اختيار حياتهن.
في تركيا حيث من المتعارف عليه شدة الرجل التركي في التعامل، قام نائب رئيس الوزراء التركي بتوجيه نصيحة بدت كأمر للنساء ألا يقهقهن؛ فانطلقت ثورة نسائية تويترية تطالب النساء بالضحك، ونشرت التركيات الجميلات مقاطع يضحكن فيها لمجرد إثبات حقهن في الضحك بالطريقة التي يرغبن فيها ربما حتى لا تصبح نصيحة الوزير الهمام قراراً تختفي فيه أصواتهن ولا تعود قادرة حتى على الابتسام.
في إيران التي لا تقارن بتركيا في وضع المرأة، حيث تجبر الفتيات على ارتداء الحجاب وتعمل الشرطة الدينية على القبض على النساء وجرهن من شعورهن إن هن فكرن بإظهارها، قررت جميلات إيران تحرير ضفائرهن والتقاط صور تخفي ملامحهن أحياناً وتظهر الشعر المخفي بقرار الثورة الإيرانية.
بالنسبة لي كانت الصور محاولة لأن تعيش الفتاة كإنسان منحه الله عز وجل حق اختيار فعل الصواب والخطأ، ولم يرسل عليه صاعقة من السماء تحرقه بمكانه عند ارتكابه ذنوبه الصغيرة التي ليست ظلما كالشرك أو القتل.
في السعودية ليست مجرد قضية شعر بل حتى في المسائل الخلافية والتي لا يجيز الأصوليون إنكار مرتكبها ككشف الوجه، تهان الفتاة التي تفعل ذلك في الأسواق سواء بالنظرات أو بمتابعة رجل الهيئة لها "غطي وجهك يا مرة".
في الواقع، إن محاولات الوصاية على المرأة تجاوزت جسدها لتصل إلى قرارات يراها العالم الإسلامي حقاً بديهياً للمرأة مثل قيادة السيارة، يتدخل الرجل بطريقة تثير التعجب فسمعنا القصيدة الركيكة "لن تقودي" التي أنشأها إعلامي سعودي وهي تمتلئ بالتعصب والعنصرية.
يزعم الأنثروپولوچيون أن تاريخ اضطهاد المرأة بدأ عندما لم تعد تشارك في إنتاج الطعام، وأصبح من يطعم هو السيد الذي يحدد لها كيف تعيش، ويتساءل بعد أن يشبع متعته من خلالها إن كانت روحاً أم شيطاناً.
في وقت متأخر أدركت النساء ذلك فخرجن للعمل، ولم يعد العمل البيتي أو إنجاب الأطفال وتربيتهم ذات قيمة في نظرها لأنها لم تحقق لها أي فائدة على الصعيد النفسي أو الاجتماعي مما أكسبها مكانة ورفع عن كاهل المرأة الغربية الاضطهاد الرجالي، لكن هذا أدى إلى كارثة في أعداد السكان في العالم الغربي خاصة مع توالي الهجرات من مجتمعات شرقية لم تدرك نساؤها هذه الحقيقة بعد، مما جعل العالم الغربي يواجه مشكلة الانقراض.
في بلادنا السعودية تخرج النساء للعمل وتطعم وتدفع الإيجار وراتب الخادمة وتحضر سائقا تطعمه هو الآخر وتدفع راتبه ومازالت تعاني من أنظمة تشريعية وأحكام قضائية ومواقف حياتية تثبت أنها مازالت هي والمجتمع عالقين فيما قبل الاستقلالية المقنعة التي تظن أنها تمر بها.
فلم تغير مسؤولياتها وذمتها المالية الأمور كثيراً فمازالت قاصرا في نظر الجميع ومن ذلك الأنظمة الحكومية.
الغريب أن المرأة في العهود الإسلامية الأولى والتي قد يعدها الأنثروپولوچيون من العصور التي من المفترض أن تضطهد فيها المرأة، كانت المرأة مستقلة تماماً وتساندها الدولة في ذلك فبإمكانها خلع الرجل الذي توقفت عن حبه مهما كان قدره في المجتمع في خمس دقائق، زوجة ثابت بن قيس مثالاً بل ومناظرة الصحابة ومخالفة رؤيتهم للأحكام بنقد أقرب إلى التهكم، انظر لقول عائشة رضي الله عنها عن قول لعبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما حيث أخبرها من أخبرها بأن عبدالله بن عمرو بن العاص يأمر النساء عند الاغتسال أن ينقضن شعورهن، فأنكرت أشد الإنكار عليه، فقالت: وا عجباً لابن عمرو بن العاص، أما أمرهن أن يحلقن رؤوسهن! إن هذا دليل عظيم على تمتع النساء بالقدرة على المعارضة والمجادلة فكرياً دون خوف من التسفيه أو التحقير.
هناك ذكره ابن باز رحمة الله عليه في معرض فتاواه في الطهارة، لكنه يشير لواقع النساء في عهده صلى الله عليه وسلم حين التمعن فيه يقول أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم "إنه نهى أن يغتسل الرجل من فضل المرأة والمرأة من فضل الرجل وليغترفا جميعاً".
العرب تقول: ما أكرمهن إلا كريم، وهو حجر الزاوية هنا، اصنعوا الرجل الكريم لتضحك السعوديات.