في الحديث عن الموقف من اتفاقية «سيداو» المعنية بمحاربة كل أشكال العنف والتمييز ضد المرأة، لا بد من الوقوف على القواعد العامة للإسلام في هذا الشأن التي تقوم على نصوص قطعية، وتحظى بالإجماع، لتشكل أرضية مشتركة للحوار، ومنطقاً للحكم على المواقف وما يطرح من آراء واتفاقيات في هذا المجال، ما يسهل عملية النقد والمراجعة، ويخلق بيئة مناسبة للحوار مع الآخر.
وفي هذا السياق ينبغي أن نشجع المبادرات التي تسعى إلى تحقيق الحرية المسؤولة للفرد ذكراً أكان أو أنثى، وأن نشجع الجهود التي تسعى لتفعيل دور المرأة ومشاركتها بعملية التنمية الكاملة دون تصادم أو تناقض مع قواعد الشريعة ومقاصد الدين، بل بما يحقق الانسجام الكامل مع مهمة الإنسان ورسالته في الحياة القائمة على معنى الاستخلاف والإعمار المنوط بالإنسان بصفته الآدمية، امتثالاً لقوله تعالى: « وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً «.
القاعدة الأولى : في هذا المجال : المساواة بين الرجل والمرأة في أصل الخلقة البشرية، والنشأة الآدمية، بدليل قوله تعالى « يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ»
القاعدة الثانية : المساواة بين الرجل والمرأة في أصل الكرامة الآدمية، اعتماداً على النص العام القاطع « ولقد كرمنا بني آدم» والتكريم مقرون بالصفة الآدمية بغض النظر عن الجنس أو الدِّين أو اللون والعرق أو الفكر والمذهب ويعم الصغار والكبار، الذكور والإناث، المؤمنون وغير المؤمنين.
القاعدة الثالثة : المساواة بين الرجل والمرأة في الخطاب والواجبات والمندوبات والمكروهات والمحرمات والمباحات، في كل مجالات التعبد بلا استثناء، والمساواة بين الرجل والمرأة في مهمة الخلافة في الأرض وإدارة شؤون البشر بما يحقق الصلاح وينفي الفساد عن كل مرافق الحياة عبر ما استودع الله في الإنسان من عقل وقدرة وملكات ومعرفة، التي لا تخص الرجال دون النساء، والعقل مناط التكليف بإجماع الفقهاء وأهل العلم.
القاعدة الرابعة : تقرير المساواة بين الرجل والمرأة في العقوبة والمثوبة والجزاء والحساب في الدنيا والآخرة، قال تعالى « مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ «
القاعدة الخامسة : تقرير مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة في الحقوق والواجبات على الجملة في كل مجالات الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، قال تعالى : « ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف «، وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : « النساء شقائق الرجال « ما يقتضي المساواة بينهم في حق العلم والتعلم والتفقه في كل علوم الدنيا والآخرة، والمساواة في حق العمل والكسب والتملك والإنفاق ، وإجراء العقود، والمساواة بتحمل المسؤولية العامة على مستوى المجتمع كله، قال تعالى : « وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَر»
القاعدة السادسة : تقرير مبدأ المساواة في حق اختيار الزوج وتشكيل الأسرة، والمشاركة برعاية الأبناء وتربيتهم، وحق الانفكاك من العقد، ما يقتضي عدم جواز الإكراه في هذا الشأن وتحريم العضل « فَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ أَن يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ».
القاعدة السابعة : تقرير مبدأ المساواة بحق المشاركة في إدارة شؤون الدولة والتمتع بالحقوق السياسية، من ترشح وانتخاب، وحق تولي الولايات العامة، بناءً على معيار القوة والأمانة المقرر في كتاب الله « يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ «، بما يحقق المصلحة العامة
القاعدة الثامنة : تأكيد حتمية المشاركة وضروريتها بين الرجل والمرأة وإقامة علاقة شرعية تكافلية، تقوم على توزيع الأدوار والمسؤوليات، والتعاون على نوائب الدهر، بعيداً عن منطق الصراع والمغالبة والاختلاف المذموم، وبعيداً عن منطق الرق والاستعباد، ودون ظلم أو عدوان أو تعسف، امتثالاً لقوله تعالى : « وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ» ما يقتضي تطويع الجزئيات والظنيات بما يتفق مع هذه القواعد الكبرى، وعلى ضوء هذه القواعد يتم النظر إلى هذه الاتفاقية وغيرها من اتفاقيات دولية وعالمية.