من خلال قراءاتي لمناهج الفقه والحديث والثقافة الإسلامية للبنين والبنات للسنتين ثاني وثالث ثانوي لأقسام أدبي وعلمي وتحفيظ القرآن الكريم، والأقسام الشرعية والعربية، وكذلك أقسام العلوم الإدارية والاجتماعية والطبيعية والتقنية عن المرأة في الإسلام، لم أجد تلك الصورة المشرقة العادلة للمرأة المسلمة، فقد تجاهل معدو هذه المناهج مشاركة المرأة للرجل في تحمّل أمانة الاستخلاف، ومساواتها للرجل في الأهلية، وعن حقوقها الدينية والمدنية والسياسية والمالية والتعليمية والثقافية والاجتماعية، فلم يتطّرقوا إلى هذه الحقوق، ومدى مشاركة المرأة المسلمة في عصر الرسالة في الحياة العامة؛ إذ أخفوها تمامًا كأنّها لم تكن، بل أوردوا حديثًا يُبيّن أنّ المرأة لا تحضر مجلس القضاء حتى لو اتهمت بالزنا، وأنّ الرسول صلى الله عليه وسلم بعث لها إلى بيتها من يسألها إن زنت ،أم لا، وأمر من بعثه برجمها إن اعترفت بالزنا، دون أن يستمع إليها بنفسه، وهو القاضي لأنّه غير مسموح لها الخروج من بيتها إلّا للضرورة القصوى، فأبرزوا ما يريدونه هم، ونسبوه إلى الإسلام، وأساءوا إلى عدله عليه الصلاة والسلام مستدلين بأحاديث ضعيفة ومنكرة ليُثبّتوا في أذهان أولادنا وبناتنا الصورة التي يريدونها، فجعلوا صورة المرأة ومكانتها في الإسلام أنّها خُلقت لطاعة الرجل ومتعته وخدمته، وأُلخص هذه الصورة في الآتي:
1- عندما تحدثوا عن تربيتها، لم يُشيروا إلى فريضة تعليمها، والاستدلال بقوله صلى الله عليه وسلم :» طلب العلم فريضة على كل مسلم»؛ إذ قصروا حديثهم على إرشاد الإسلام إلى ضرورة تربيتها منذ الصغر على الدين والأخلاق والطهر والعفاف، مع الاستدلال بحديث ضعيف يأمر باستخدام ضرب الأولاد إن امتنعوا عن الصلاة عند بلوغهم العاشرة، وهو:» مروا أولادكم للصلاة لسبع، واضربوهم عليها لعشر، وفرّقوا بينهم في المضاجع.»[أخرجه أبو داود: كتاب الصلاة، باب متى يؤمر الغلام بالصلاة]{ الحديث والثقافة الإسلامية لثاني ثانوي أقسام العلوم الإدارية والاجتماعية والطبيعية والتقنية ، ص 90]
فبهذا الحديث يُكرّس في أذهان شبابنا أنّ الإسلام يُكره الناس على أداء الصلاة بالضرب، الذي لا يتفق مع قوله تعالى:(لا إكراه في الدين)، وقوله لرسوله الكريم:(إنّك لا تهدي من أحببت)فكيف يخالف الرسول صلى الله عليه وسلم الخالق جل شأنه، ويأمرنا بضرب أولادنا ليؤدوا الصلاة عند بلوغهم العاشرة، وهذا الأسلوب يتنافى مع أسلوبه التربوي الذي اتبعه مع الشباب، وكلنا نذكر قصة الشاب الذى أتى إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، قائلًا:» إنّ الزنا أحب شيء إليه»، وكيف تعامل الرسول صلى الله عليه وسلم معه؟ فلم يأمر بجلده، ولم يُعنّفه لفظًا، وإنّما قال له:» أترضاه لأمك... أترضاه لأختك... أترضاه لابنتك؟، فخرج الشاب وأبغض شيء إليه الزنا.
2-»ولأهمية حياتها مع زوجها أمر الإسلام باستشارتها فيمن تقدم لخطبتها»[المصدر السابق: ص 90] نلاحظ هنا القول:» أمر الإسلام باستشارتها فيمن تقدم بخطبتها» ولم يقل اشتراط موافقتها، وإن تمّ الزواج بدون رضاها يحق لها طلب فسخه، ولم يُستدل بأي حديث يؤيد هذا، كقوله صلى الله عليه وسلم:»لا تُنكح الأيم حتى تستأمر، ولا تنكح البكر حتى تستأذن»، وحديث الفتاة التي جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت إن أبي زوجني ابن أخيه ليرفع بي خسيسته، قال فجعل الأمر إليها فقالت قد أجزت ما صنع أبي، ولكن أردت أن تعلم النساء أنّ ليس إلى الآباء من الأمر شيء»، وما رواه القاسم:» أنّ امرأة من ولد جعفر تخوّفت أن يزوجها وليها وهي كارهة، فأرسلت إلى شيخيْن من الأنصار: عبد الرحمن ومجمع ابني جارية قالا: فلا تخشيْن فإنّ خنساء بنت خِدَام أنكحها أبوها، وهي كارهة، فرّد النبي صلى الله عليه وسلم ذلك».[رواه البخاري في كتاب الحيل في النكاح]
وأتساءل هنا: لماذا يتجاهل معدو المناهج هذه الأحاديث؟ لماذا يُصّرون على تربية أولادنا وبناتنا على تشويه صورة المرأة في الإسلام لاستبدالها بالصورة التي يريدونها لتكون هي صورة المرأة في الإسلام، ليُنفّروا شبابنا من دينهم؟
3- لقد حرّموا السلام على المرأة، ولنقرأ هذا النص:» يجوز السلام على النساء المحارم، أما غيرهن فيجوز إذا أمنت الفتنة بهن وعليهن، وهذا يختلف باختلاف النساء، والأحوال، والمواضع، فليست الشابة كالعجوز، ولا من دخل بيته فوجد فيه نسوة فسلم عليهن كمن مر بنساء لا يعرفهن في الطريق[الحديث والثقافة الإسلامية: ثاني ثانوي- العلوم الشرعية واللغة العربية، بنين- ص 94] وهذا القول يتنافى مع:
-عن عائشة رضي الله عنها قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(يا عائشة هذا جبريل يقرأ عليك السلام قالت قلت وعليه السلام ورحمة الله ترى ما لا نرى تريد رسول الله صلى الله عليه وسلم تابعه شعيب وقال يونس والنعمان عن الزهري وبركاته)[رواه البخاري]
-حديث:»عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: أتــى جـــبريـــل الــنبـــي صلى الله عليه وسلم، فـــقال:» يا رسول الله هذه خديجة قد أتت معها إناء فيه إدام، أو طـــعـــام، أو شــــراب، فإذا هي أتتك، فاقرأ عليها السلام من ربها ومني، وبشرها ببيت في الجنة من قصب لا صخَبَ فيه ولا نصَبَ.»[رواه البخاري ومسلم]
-يتنافى مع السنة الفعلية، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمر بنساء فيسلم عليهنّ»[رواه أحمد][انظر في صحيح الجامع الصغير رقم(4891)] وعن أبي النضر أنّ أبا مرة مولى أم هانئ ابنة أبي طالب أخبره أنّه سمع أم هانئ ابنة أبي طالب، تقول: ذهبتُ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفتح فوجدته يغتسل، وفاطمة ابنته تستره، فسلّمّتُ عليه، فقال: من هذه؟ فقلتُ: أنا أم هانئ بنت أبي طالب، فقال: مرحبًا بأم هانئ. فلما فرغ من غسله، قام فصلى ثماني ركعات ملتحفًا في ثوْب واحد، فقلتُ: يا رسول الله زعم ابن أمي علي أنّه قاتل رجلًا قد أجَرْتُهُ فلان بن هبيرة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:» قد أجرنا من أجرت يا أم هانئ. قالت أم هانئ: وذلك ضحى.[انظر صحيح البخاري: كتاب الاستئذان، باب: تسليم الرجال على النساء، وتسليم النساء على الرجال.]
وأتساءل هنا: ألم يطلع معدو المنهج على هذا الباب في صحيح البخاري، قبل تحريمهم السلام على النساء؟
للحديث صلة.