عمل المرأة السعودية قضية أثارت من التباينات وردود الأفعال ما لم تثره قضية أخرى في المجتمع السعودي، حيث يرى المحافظون ضرورة التقيد بثوابت المجتمع والتمسك بعاداته وتقاليده وعدم الحيد عنها، فيما يرى مخالفوهم التحرر من اسر الثوابت مجاراة للعولمة.
على الرغم من التطور الهائل الذي ظلت تشهده المملكة في كافة مناحي الحياة اجتماعية، ثقافية، اقتصادية، وغيرها إلا أن المجتمع السعودي ظل يعاني من كثير من الرواسب الاجتماعية كونه مجتمعاً محافظاً بالدرجة الأولى يصعب تأثره بتطورات العصر وتقلباته وتسارع وتيرته، مما يؤثر سلبا على التنمية في مقدمتها النظرة السالبة من لدن المجتمع لعمل المرأة السعودية.
لم تقتصر نظرة المجتمع السالبة على عمل المرأة فحسب بل حتى في تعليمها، وعلى الرغم من الاهتمام الذي أولته حكومة المملكة بتعليم المرأة في تاريخها، فقد مثل تعليم البنات أحد التحديات التي واجهت حركة التعليم في المملكة، ففيما مضى كان تعليم المرأة محدودا وفي أضيق الحدود، خصوصا في ظل رفض الأسر السعودية إلحاق بناتها بالمدارس، ولكن رويدا رويدا بدأ المجتمع في تقبل تعليم المرأة، حتى تجاوز حسب آخر إحصائية عدد مدارس البنات مثيلاتها من مدارس البنين، وبلغ عدد الطالبات أكثر من مليوني طالبة في مختلف المراحل التعليمية، فيما بلغ عدد المعلمات 250 ألف معلمة بزيادة تقدر ب 40% عن عدد المعلمين.
وأيا كانت ردود الأفعال والتباينات بين المحافظين والمتحررين فيجب ألا ننسى وجود العديد من العوامل التي تدفع بالمرأة لسوق العمل، في مقدمتها الحاجة في عصر باتت فيه المادة تمثل العنصر الرئيس للحياة، فضلا عن ازدياد وعي المرأة بالتزاماتها تجاه مجتمعها، مع الأخذ في الاعتبار أن المرأة في وقتنا الراهن ومع التكنولوجيا والتقنيات الحديثة لم تعد في حاجة للقوة الجسمانية لأداء العمل أيا كان نوعه، بقدر حاجتها للتمتع بالكفاءة والمهارة، مما فتح لها مجالات أوسع للعمل.
ومؤخرا أولى ولاة الأمر حفظهم الله المرأة السعودية وتعليمها وعملها اهتماما خاصين، حيث أصبح للمرأة السعودية دور فعال وبصمات واضحة في مختلف المجالات بدءا بالتعليم ومرورا بالطب وليس انتهاء بغيرهما من ميادين العمل، حيث أثبتت كفاءتها كنتاج طبيعي وثمرة للاهتمام الكبير من لدن ولاة الأمر، وكثيرا ما اعتلت منصات التتويج معززة قدراتها ومؤكدة كفاءاتها.
وقد شهد عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز حفظه الله نقلة كبرى في الاهتمام بالمرأة السعودية بإشراكها في البناء والتنمية وإلحاقها بمراكز القيادة وصنع القرار، فضلا عن الرعاية الخاصة بتعليمها مما قاد لبروز نماذج نسائية مشرقة حملن اسم المملكة عاليا في كثير من المحافل الدولية ولفتن نظر العالم في عديد من المجالات بعد تحقيقهن انجازات غير مسبوقة في مختلف الميادين، مع الاحتفاظ بدورهن كزوجات وأمهات.
وما لاشك فيه أن نجاح المرأة السعودية وتحقيقها الانجازات العديدة حفز القطاع الخاص على استقطابها حيث شهدت السنوات الأخيرة نموا ملحوظا في توظيفهن، ففيما كان عدد العاملات في القطاع الخاص (48,406) في العام 2009م قفز عددهن إلى (100) ألف في العام 2011م، ليرتفع إلى أكثر من (200) ألف في ديسمبر من العام 2012م، وحسب بيانات المستفيدين من برنامج إعانة الباحثين عن عمل (حافز) فقد بلغ عدد الباحثين عن العمل من الجنسين (1,170,152) 86% منهن إناث، مما دفع وزارة العمل لسن قوانين ووضع ضوابط تسهل عمل المرأة.
بقى أن نعرف أن للمرأة حق العمل والتكسب من أي مهنة رغبت حسب ما تنص عليه تعاليم ديننا الحنيف وتحثنا عليه شريعتنا السمحاء التي لا تمنع أحدا من العمل الشريف ضمن آداب الإسلام وضوابطه، وقد كانت المرأة تشارك الرجل العمل منذ فجر الإسلام، وانطلاقا من ذلك يجب على المسؤولين في بلادي مواصلة دعم المرأة ومنحها الفرصة كاملة لتسهم في خدمة وطنها.