الارشيف / عالم المرأة / أخبار المرأة

النظرة القاصرة لزواج القاصرات .. عود على بَدءٍ

  • 1/2
  • 2/2

عود على بَدءٍ ارتبط اسم بعض البلدان دون بعضها الآخر بقضية زواج القاصرات أو ما يسميه البعض زواج الطفلات (تزويج الفتيات دون سن الثامنة عشرة)، وقد تكررت القصص المأساوية نفسها التي يتناولها الإعلام العربي والعالمي لحالات فتيات قد حرمن من فرص الحياة بسبب جشع الآباء أو أنانيتهم. واحتلت اليمن الصدارة في هذه القائمة، وقد سيطر على الإعلام أسماء فتيات اليمن اللاواتي نجون من مصير \"عرائس الموت\" كما أسماه الإعلام. والغريب أنه بعد أن تصدرت أخبار زواج القاصرات الإعلام في الفترة الأخيرة فكان من المستبعد أن تضم لبنان البلد الإسلامي لهذه القائمة ويصبح زواج القاصرات محل بحث فيها حيث أعلن فادي كرم، الأمين العام للهيئة الوطنية لشؤون المرأة اللبنانية، أن الهيئة أعدت مشروعا لقانون يحدد الأطر القانونية لزواج القاصرات. وينص مشروع القانون الجديد المزمع تقديمه على وجوب استشارة قاضي (الأحداث) للحصول على تراخيص لزواج القاصرات. وفي حال الرفض ووقوع الزواج، فلا يكون الزواج باطلاً ولكن على من تزوج مخالفاً يغرم ماليا حسب القانون المقترح. إن هذا المقترح قد أعاد الجدل حول انتشار زواج القاصرات في بلاد المسلمين (والبلاد العربية خاصة) وتبعه سيل من المقالات المغرضة والتعليقات المتهكمة التي تنتقد نظرة الإسلام للمرأة وتؤكد خطورة ترك شؤون المرأة بعيداً عن حماية السلطة المدنية.. وقد عزا عدد من المتخصصين هذا الانتشار لزواج الصغيرات في مخيمات النازحين السوريين في لبنان وتجمعاتهم بعد أحداث سوريا وتدفق اللاجئين السوريين إلى لبنان وأن الظاهرة غريبة على المجتمعين اللبناني والسوري، وقد تواترت التقارير الإعلامية بأن تزويج الفتيات في سن مبكر يعود لضيق ذات اليد وخوف الآباء على أعراض بناتهم من انتشار حالات التحرش وصعوبة توفير الأمان لهن. كما صرحت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) أن الحرب السورية ونزوح أكثر من 1,3 مليون سوري إلى لبنان، قد فاقما من ظاهرة زواج القاصرات في مخيمات وتجمعات النازحين، إذ بات تزويج الفتاة يعني تقليص عدد الأشخاص الواجب إطعامهم واحداً. كذلك فإن الأهالي يخشون تعرض بناتهم لاعتداءات بسبب الأحوال المعيشية المتردية التي يعيشون فيها داخل مخيمات النازحين. لم تأت هذه الحملة من فراغ بل جاءت في إطار الحركة العالمية \"بنات لا عرائس\" والتحضير لافتتاح مجلس حقوق الإنسان دورته السابعة والعشرين الأسبوع المقبل في جنيف، وسيتناول فيها البحث في قضايا تزويج الأطفال والزواج المبكر والقسري وسبل القضاء عليها وحلها. وجدير بالذكر أن هذه القضايا قد نص عليها في اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو) وفي ما ترتب عنها من مواثيق. كما نلاحظ استخدام لجنة سيداو في الآونة الأخيرة لمصطلح \"تزويج الأطفال\" و\"الزواج القسري\" مُعرِّفة الطفل بأنه كل إنسان لم يبلغ سن الثامنة عشرة وتعتبر زواج الأطفال انتهاكا لميثاق حقوق الإنسان ونوعاً من أنواع الزواج القسري والعنف ضد الطفل. وأن هذه الحملة ظهرت بإملاءات دولية تماماً مثل الحملة السابقة عن العنف ضد المرأة، فسال المداد حول العنف ضد المرأة وكأن الأمة لا تشغلها سوى هذه القضية ولا زالت الأقلام تكتب حول القاصرات دون أن توضح أن هناك من يملي عليها ما تكتبه. وتشير التقارير الأممية إلى أن 14,2 مليون فتاة يُزوَّجن في كل عام فيما يعد انتهاكاً لحقهن في الحياة والحرية والأمن والحصول على التعليم وأن هذا الزواج يوقعهن وبلادهن في دائرة من الفقر والجهل والمرض. ويقول المركز الدولي للأبحاث الخاصة بالمرأة إن ثلث نساء العالم يتزوجن قبل بلوغ سن 18 عاماً وتسود هذه العادة في جنوب آسيا. وبالرغم من التغطية الإعلامية المكثفة التي تستهدف بعض البلدان العربية مثل اليمن والمغرب ومصر وما تورده وسائل الإعلام عن المخاطر الصحية التي تتعرض لها الفتيات الصغيرات ليلة الزفاف واستشهادها بقصص عرائس الموت (ما صح منها وما لم يصح) إلا أن هذه البلدان لم تحتل المركز الأول في قائمة الدول التي ينتشر فيها زواج القاصرات[i] بل لم تكن ضمن المراكز العشرين الأولى التي لم تضم أي بلد عربي (إذا استثنينا الصومال التي ذكرت في المركز الرابع عشر بالرغم من افتقار البلاد لمقومات ومؤسسات الدولة قرابة العقدين من الزمان مما يطرح أسئلة عن مصداقية الإحصاءات المتعلقة بها). وفيما يلي جدول بترتيب أول عشرين دولة من حيث انتشار زواج القاصرات (أو ما يسمى بالنقاط الساخنة لانتشار زواج القاصرات) : النسبة الدولة الترتيب 75 النيجر 1 68 تشاد 2 68 جهورية أفريقيا الوسطى 3 66 بنجلاديش 4 63 غينيا 5 56 موزنبيق 6 55 مالي 7 52 بوركينا فآسو 8 52 جنوب السودان 9 52 ملاوي 10 48 مدغشقر 11 47 إريتريا 12 47 الهند 13 45 الصومال 14 44 سيراليون 15 42 زامبيا 16 41 جمهورية الدومينيك 17 41 إثيوبيا 18 41 نيبال 19 41 نيكاراجوا 20 هذا هو ترتيب الدول حسب انتشار زواج القاصرات ونرى فيه إهمال المجتمع الدولي لشؤون الطفولة المعذبة في بوركينا فاسو ونيبال ونيكاراجوا وتسليط الضوء على اليمن وأهلها حتى باتت قضايا فتيات اليمن لا تغيب عن الإعلام الغربي وأتباعه في العالم فلماذا تحتل صور فتيات اليمن الصحف العربية والعالمية بينما يتجاهل العالم زواج الفتيات في سن الخامسة عشرة في إثيوبيا وفي سن الثانية عشرة في فيتنام وتترك الهند التي لا تقل فيها عن 47 بالمائة من نسبة زواج الأطفال، أم أن السر يكمن في أنها ليست في الجبهة الإسلامية ولا في المجابهة مع المسلمين. تُعدّ النيجر أعلى الدول نسبة في زواج القاصرات ولكنها لا تحتل المرتبة الأولى في الطرح الإعلامي بل تتصدر أخبار الدول العربية التي ارتبطت ذهنيا بالإسلام وأصبحت مصب انتقاد الغرب للعالم الإسلامي وأهله ليظهر عبر هذا النقد التفوق الحضاري المزعوم والهيمنة على تفاصيل حياة الشعوب. عند سماع الأخبار عن زواج القاصرات تتبادر إلى الأذهان صور فتيات اليمن وهن يزوجن في التاسعة والجدل حول الإسلام وحكم الشرع في زواج الصغيرات وإدانة علماء الدين أو إرهابهم لحد التنصل من زواج الرسول صلى الله عليه وسلم من السيدة عائشة في سن مبكرة. ولعل اللافت أن الزواج المبكر في النيجر ليس فيه أي مخالفة قانونية لأن السن القانوني للزواج هو الخامسة عشرة، وتتزوج حوالي ربع الفتيات في هذا السن.\" (بي بي سي 30 مايو 2014) وتتزوج ثلاثة أرباع الفتيات دون سن الثامنة عشرة (ومن ضمن هؤلاء من تتزوج قبل الثامنة عشرة بشهر واحد أو أقل فتحسب على الطفولة رغماً عنها وبغض النظر عن مدى نضجها واستعدادها للزواج). إن الإرهاب الفكري الذي أصبح اللغة السائدة اليوم يجرم الشعوب ويضع سن الثامنة عشرة بشكل اعتباطي كسن موحد للزواج. فيساوي بين بني البشر دون أدنى مراعاة لاختلاف البيئة والثقافة والنشأة وهذا هو عين الظلم فهذه المساواة التي تسطر بمسطرة عمياء تستند إلى نظرية خيالية تناقض فطرة الإنسان وطبيعة التفاوت الموجودة بين أفراد المجتمع الواحد ناهيك عن شعوب العالم على اختلافاتها. إنهم يخوضون حرب المسميات ويلقون باللوم على زواج الفتيات في سن مبكرة ويخلطون عمداً بين الزواج بالإكراه والزواج المبكر. إن الداعين لتحديد سن الزواج لم يأتوا بأي دليل على أن سن الثامنة عشرة حد فاصل في القدرة على تحمل أعباء الزواج ولم يروا في الحسبان ضرورة تهيئة المجتمع للفتيات لتحمل هذه الأعباء وأنها بالدرجة الأولى استعداد نفسي واجتماعي قبل أن تكون مسألة سن معينة، كما لم يبينوا الفرق بين كون الفتاة ممن تتحمل الوطء وبين الاستعداد النفسي للزواج، والأهم من هذا كله أن هيمنة أي جهة على تنظيم السلوك البشري وتبني وجهة نظر بناء على معلومات محدودة ومغلوطة ومبدأً من صنع الإنسان القاصر ليصبح فكرا لبني البشر وينفذ بسلطة القانون هو أمر في غاية الخطورة ويؤدي إلى شقاء الإنسان. هذا الإنسان الذي يجهل ويعجز عن فهم الحاجة الحقيقية لنفسه فلا يستطيع إذن أن ينظم السلوك البشري ويتمادى على ما هو لله وحده. هذه القضية كسابقاتها تثبت أن النظرة القاصرة إلى المرأة وشؤونها كإنسان لا تجلب لها سوى التشتت والضياع ولا تجلب للمجتمعات سوى الفرقة والنزاع. التف العالم الغربي حول قضية تجريم زواج الفتيات قبل سن الثامنة عشرة وركز الجهود على إيجاد رأي عام عالمي وكأن مسألة زواج القاصرات أصبحت القضية الأهم في حياة الشعوب. فقد أسند التحالف الدولي الطارئ لأجل التعليم في العاشر من أبريل/نيسان أربعة أصفار بهدف القضاء على بعض الممارسات التي تهدد الطفولة: -صفر لزواج الأطفال -وصفر لعمل الأطفال -وصفر للتمييز ضد الفتيات -وصفر للإقصاء من التعليم واللافت أن التحالف لم يدعُ لصفر فساد مالي وصفر تبعية سياسية وقهر للشعوب المغلوبة على أمرها وصفر استغلال للضعفاء وصفر لنشر الفقر والعوز عبر السياسات الرأسمالية. وحتى عندما تبرعت الدول الكبرى بسخاء من أجل القضاء على زواج الصغيرات فإن هذه التبرعات لم تقدم شيئاً للفتيات ولا قضت على الفقر الذي تسبب في استغلال الفتيات حسب دراساتهم (كما في نيبال والهند وفيتنام وغيرها). لقد وضعت الميزانيات الضخمة لإنهاء زواج الفتيات في سن السابعة عشرة بينما تُركن للموت من الجوع وسوء الرعاية وغياب الأمان. أليس من الغريب أن يجرم العالم زواج الفتيات في الخامسة عشرة ولا يجرم الفقر في النيجر وهي واحدة من أفقر دول العالم وآخرها في مؤشرات التنمية؟!! بل إنهم يدعون أن زواج الصغيرات من مسببات الفقر ليذروا الرماد في العيون ويلفتوا الأنظار إلى الرأسمالية كمنقذ وديع للبنات الصغيرات! وحقيقة الحال أن هذه الرأسمالية المتحكمة في العالم قد أكلت الأخضر واليابس وجلبت البؤس والشقاء للإنسانية جمعاء. إن هذه الحملات ضد الزواج لا تستهدف المحافظة على طفولة الفتيات؛ فها هو حال الدول الغربية لا يخفى على أحد فالمرأة سلعة سواء كانت كبيرة أم صغيرة والطفولة مستهدفة ومجتمعاتهم تعاني من أزمة حمل المراهقات ولم تتمكن من الحد من هذه الظاهرة إلا عبر نشر موانع الحمل ونشر الثقافة الجنسية في المدارس، وبذلك ساهمت في نشر العلاقات قبل الزواج.. لقد أصبحت الفتاة تعيش علاقات متعددة وهي لم تبلغ الثامنة عشرة والمجتمع فشل في الحفاظ على براءة الطفولة ونجح في الحفاظ على خزينة الدولة لكي لا تتحول الفتيات القاصرات لعبء مادي بدلاً من أن يكن نساء مشاركات في العملية الاقتصادية في ظل نظام رأسمالي يقيم الإنسان بمقدار مشاركته في الاقتصاد. إن هذه الحملات على الزواج المبكر تحارب العلاقة في إطار الزواج بينما تحترم وتشجع الفتاة على القيام بعلاقات خارج إطار الزواج! وختاماَ، إذا كان الفقر هو السبب في تزويج الناس لبناتهم في سن مبكرة فإن إطلاق الحملات ليس هو الحل، والأولى بالدولة التي تحترم مسؤوليتها والواجب المنوط بعهدتها أن تعالج هذا الفقر لأن آثاره على الفرد والمجتمع تتعدى مسألة زواج الصغيرات، وإن كان الأمر متعلقا بخوف الأهالي على بناتهم فهل وفرت الدولة الحماية والأمان لهؤلاء الفتيات بعد منع هذا الزواج المبكر؟ إن كلتا الحالتين تدينان الدولة قبل الآباء وتشيران إلى مدى التقصير في رعاية شؤون الذين يعيشون فيها، فإذا عجز رب الدار عن حماية الذراري فكيف تعلن الحكومات هذا العجز على عيون الأشهاد دون خجل. إن القصور الحقيقي هو في نظام عالمي يتفنن في إحصاء مآسي البشر وابتكار سبل الإلهاء عن الداء الحقيقي وفي حكومات جمعت بين التبعية والفشل فاختارت أن تحارب الشعوب وتضيع حقوقها بذريعة الدفاع عن الفتاة ومحاربة استغلالها.. أليست أحلام هذه الطفلة قد اغتالتها الرأسمالية كما اغتالت أحلام أولادها وتركتها مكبلة في الاستعمار جيلا بعد جيل؟ (لبئس ما يحكمون). عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «كُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ فَالْإِمَامُ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ».

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى